الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ نَاشِئَةَ ٱللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً }

قوله عزّ وجلّ: { إِنَّ نَاشِئَةَ ٱلَّيْلِ } ، أي: ساعاته كلها وكل ساعة منه ناشئة، سميت بذلك لأنها تنشأ أي تبدو ومنه نشأتِ السحابةُ إذا بدت وكل ما حدث بالليل وبدأ فقد نشأ فهو ناشىء، والجمع ناشئة. وقال ابن أبي مليكة: سألت ابن عباس وابن الزبير عنها، فقالا: الليل كله ناشئة. وقال سعيد بن جبير وابن زيد: أي: ساعة قام من الليل فقد نشأ وهو بلسان الحبش القيام، يقال: نشأ فلان أي قام. وقالت عائشة: الناشئة القيام بعد النوم. وقال ابن كيسان: هي القيام من آخر الليل. وقال عكرمة: هي القيام من أول الليل. روي عن علي بن الحسين أنه كان يصلي بين المغرب والعشاء، ويقول: هذه ناشئة الليل. وقال الحسن: كل صلاة بعد العشاء الآخرة فهي ناشئة من الليل. وقال الأزهري: " ناشئة الليل ": قيام الليل، مصدر جاء على فاعلة كالعافية بمعنى العفو. { هِىَ أَشَدُّ وَطأً } ، قرأ ابن عامر وأبو عمرو: وِطاء بكسر الواو ممدوداً بمعنى المواطأة والموافقة، يقال واطأت فلاناً مواطأة ووطئاً إذا وافقته وذلك أن مواطأة القلب والسمع والبصر واللسان، بالليل تكون أكثر مما يكون بالنهار. وقرأ الآخرون: وَطْئاً بفتح الواو وسكون الطاء أي: أشد على المصلي وأثقل من صلاة النهار، لأن الليل للنوم والراحة ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: " اللهم اشددْ وطأتك على مضر ". وقال ابن عباس: كانت صلاتهم أول الليل هي أشد وطأ، يقول هي أجدر أن تحصوا ما فرض الله عليكم من القيام، وذلك أن الإنسان إذا نام لم يدر متى يستيقظ. وقال قتادة: أثبت في الخير وأحفظ للقراءة. وقال الفراء: أثبت قياماً أي: أوطأ للقيام وأسهل للمصلي من ساعات النهار، لأن النهار خلق لتصرف العباد، والليل للخلوة فالعبادة فيه أسهل. وقيل: أشد نشاطاً. وقال ابن زيد: أفرغ له قلباً من النهار لأنه لا تعرض له حوائج. وقال الحسن: أشد وطأ للخير وأمنع من الشيطان. { وَأَقْوَمُ قيلاً } ، وأصوب قراءة وأصح قولاً لهدأة الناس وسكون الأصوات. وقال الكلبي: أبين قولاً بالقرآن. وفي الجملة: عبادةُ الليل أشدُّ نشاطاً وأتم إخلاصاً وأكثر بركة وأبلغ في الثواب من عبادة النهار.