{ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ } ، ناصح أدعوكم إلى التوبة أمين على الرسالة. قال الكلبي: كنتُ فيكم قبل اليوم أميناً. { أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنكُمْ } ، يعني: نفسه، { لِيُنذِرَكُمْ وَٱذكُرُوۤاْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ } ، يعني: في الأرض، { مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ } ، أي: من بعد إهلاكهم، { وَزَادَكُمْ فِى ٱلْخَلْقِ بَصْطَةً } ، أي: طولاً وقوّة. قال الكلبي والسدي: كانت قامة الطويل منهم مائة ذراع، وقامة القصير ستون ذراعاً. وقال أبو حمزة الثمالي: سبعون ذراعاً. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ثمانون ذراعاً. وقال مقاتل: كان طول كل رجل اثني عشر ذراعاً. وقال وهب: كان رأس أحدهم مثل القبة العظيمة وكان عين الرجل يفرخ فيها بالضِّباع وكذلك مناخرهم. { فَٱذْكُرُوۤاْ ءَالآءَ ٱللَّهِ } نِعَم الله، واحدها إلىً، وآلاء مثل مِعَىً وأمعاء وقفا وأقفاء، ونظيرها:{ آنَآءَ ٱللَّيْلِ } [الزمر: 9]، واحدها أناً وآناء، { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }. { قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ ٱللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ ءَابَاؤُنَا } ، من الأصنام، { فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ } ، من العذاب، { إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ }. { قَالَ } هود: { قَدْ وَقَعَ } ، وجب ونزل، { عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ } ، أي: عذاب، والسين مبدلة من الزاي، { وَغَضَبٌ } ، أي: سخط، { أَتُجَـٰدِلُونَنِي فِىۤ أَسْمَآءٍ سَمَّيْتُمُوهَآ } ، وضعتموها، { أَنتُمْ وَءَابَآؤُكُم } ، قال أهل التفسير: كانت لهم أصنام يعبدونها سمّوها أسماء مختلفة، { مَّا نَزَّلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَـٰنٍ } ، حجّة وبرهان، { فَٱنتَظِرُوۤاْ } ، نزول العذاب، { إِنِّى مَعَكُم مِّنَ ٱلْمُنتَظِرِينَ }. { فَأَنجَيْنَـٰهُ } ، يعني: هوداً عند نزول العذاب، { وَٱلَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـآيَـٰتِنَا } ، أي: استأصلناهم وأهلكناهم عن آخرهم، { وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ }. وكانت قصةُ عاد على ما ذكره محمد بن إسحاق وغيره: أنهم كانوا ينزلون اليمن وكانت مساكنهم بالأحقاف، وهي رمال بين عمان وحضرموت، وكانوا قد فشوا في الأرض كلها وقهروا أهلها بفضل قوتهم التي آتاهم الله عزّ وجلّ، وكانوا أصحاب أوثان يعبدونها، صنم يقال له صدى، وصنم يقال له صمود، وصنم يقال له الهباء، فبعث الله إليهم هوداً نبياً، وهو من أوسطهم نسباً وأفضلهم حسباً، فأمرهم أن يُوحّدُوا الله ويكفّوا عن ظلم الناس لم يأمرهم بغير ذلك، فكذّبوه فقالوا من أشد منّا قوة وبنو المصانع وبطشوا بطشة الجبارين، فلما فعلوا ذلك أمسك الله عنهم المطر ثلاث سنين حتى جهدهم ذلك. وكان الناس في ذلك الزمان إذا نزل بهم بلاء فطلبوا الفرج كانت طلبتهم إلى الله عز وجل عند بيته الحرام بمكة مسلمهم ومشركهم، فيجتمع بمكة ناس كثير شتى، مختلفة أديانهم وكلهم معظّم لمكة، وأهل مكة يومئذ العماليق سموا عماليق، لأن أباهم عمليق بن لاذا بن سام بن نوح، وكان سيد العماليق إذ ذاك بمكة رجل يقال له معاوية بن بكر وكانت أم معاوية كلهدة بنت الخيبري رجل من عاد، فلما قحط المطر عن عاد وجهدوا قالوا جهّزوا وفداً منكم إلى مكة فليستسقوا لكم، فبعثوا قيل بن عنز، ولقيم بن هزال من هزيل، وعقيل بن صندين بن عاد الأكبر، ومرثد بن سعد بن عفير وكان مسلماً يكتم إسلامه، وجهلمة بن الخيبري خال معاوية بن بكر، ثم بعثوا لقمان بن عاد الأصغر بن صندين بن عاد الأكبر، فانطلق كل رجل من هؤلاء ومعه رهط من قومه حتى بلغ عدد وفدهم سبعين رجلاً.