الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } * { قَالَ ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ } * { قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ } * { يَٰبَنِيۤ ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ ذٰلِكَ خَيْرٌ ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ }

{ قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } الهالكين { قَالَ ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ }. { قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ } ، يعني: في الأرض تعيشون، { وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ } ، أي: من الأرض تخرجون من قبوركم للبعث، قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي: { تُخْرَجُونَ } بفتح التاء هاهنا وفي الزخرف، وافق يعقوب هاهنا وزاد حمزة والكسائي: " وكذلك تخرجون " في أول الروم، والباقون بضم التاء وفتح الراء فيهن. { يَـٰبَنِىۤ آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ } ، أي: خَلْقَنَا لكم { لِبَاسًا } ، وقيل: إنّما قال: " أنزلْنا " لأنّ اللباس يكون من نبات الأرض، والنبات يكون بما ينزل من السماء، فمعنى قوله: { أَنزَلْنَا } أي: أنزلنا أسبابه. وقيل: كل بركات الأرض منسوبة إلى السماء كما قال تعالى:وَأَنزْلْنَا ٱلْحَدِيدَ } [الحديد: 25]، وإنما يستخرج الحديد من الأرض. وسبب نزول هذه الآية: أنهم كانوا في الجاهلية يطوفون بالبيت عراة يقولون: لا نطوف في ثياب عصينا الله فيها، فكان الرجال يطوفون بالنهار والنساء بالليل عراة. وقال قتادة: كانت المرأة تطوف وتضع يدها على فرجها وتقول:
اليَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أوْ كُلُّهُ   وَمَا بَدَا مِنْهُ فَلاَ أحِلُّهُ
فأمر الله سبحانه بالستر، فقال: { قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَٰرِى سَوْءَٰتِكُمْ } ، يستر عوراتكم، واحدتها سوأة، سمّيت بها لأنه يسوء صاحبَها انكشافُها فلا تطوفوا عراةً، { وَرِيشًا } ، يعني: مالاً في قول ابن عباس ومجاهد والضحاك والسدي، يُقال: تريش الرجل إذا تموّل، وقيل: الريش الجمال، أي: ما يتجملون به من الثياب، وقيل: هو اللباس. { وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ } ، قرأ أهل المدينة وابن عامر والكسائي: { ولباس } بنصب السين عطفاً على قوله: { لباساً } ، وقرأ الآخرون بالرفع على الابتداء وخبره { خير } ، وجعلوا { ذلك } صلة في الكلام، وكذلك قرأ ابن مسعود وأُبيّ بن كعب: { ولباسُ التقوى خير }. واختلفوا في { لباس التقوى } ، قال قتادة والسدي: لباس التقوى هو الإيمان. وقال الحسن: هو الحياء لأنه يبعث على التقوى. وقال عطية عن ابن عباس: هو العمل الصالح. وعن عثمان بن عفان أنه قال السَّمْتُ الحسن. وقال عروة بن الزبير: لباس التقوى خشية الله. وقال الكلبي: هو العفاف. والمعنى: لباس التقوى خير لصاحبه إذا أخذ به مما خُلق له من اللباس للتجمل. وقال ابن الأنباري: لباس التقوى هو اللباس الأول وإنما أعاده إخباراً أن ستر العورة خير من التعري في الطواف. قال زيد بن علي: لباس التقوى الآلات التي يُتقى بها في الحرب كالدرع والمغفر والساعد والساقين. وقيل: لباس التقوى هو الصوف والثياب الخشنة التي يلبسها أهل الورع. { ذَٰلِكَ مِنْ آيَـٰتِ ٱللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ }.