الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي ٱلْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ } * { وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ ٱجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَآ أَتَّبِعُ مَا يِوحَىٰ إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَـٰذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { وَإِذَا قُرِىءَ ٱلْقُرْآنُ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }

قوله: { وَإِخْوَٰنُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ } يعني: إخوان الشياطين من المشركين يمدونهم، أي: يمدهم الشيطان. قال الكلبي: لكل كافر أخٌ من الشياطين. { فِى ٱلْغَىِّ } ، أي: يطلبون هم الإغواء حتى يستمروا عليه. وقيل: يزيدونهم في الضلالة. وقرأ أهل المدينة: " يُمِدّونَهم " بضم الياء وكسر الميم من الإمداد، والآخرون: بفتح الياء وضم الميم وهما لغتان بمعنى واحد. { ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ } ، أي: لا يكفّون. قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا الإنس يقصرون عمّا يعملون من السيئات، ولا الشياطين يمسكون عنهم، فعلى هذا قوله: " ثم لاَ يُقْصِرُون " من فعل المشركين والشياطين جميعاً. قال الضحاك ومقاتل: يعني المشركين لا يُقْصِرون عن الضلالة ولا يُبصرونها، بخلاف ما قال في المؤمنين: " تذكروا فإذا هُم مُّبْصِرُون ". { وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِآيَةٍ } ، يعني: إذا لم تأت المشركين بآية، { قَالُواْ لَوْلاَ ٱجْتَبَيْتَهَا } ، هلاّ افتعلتها وأنشأتها من قِبَلِ نفسك واختيارك؟ تقول العرب: اجتبيتُ الكلام إذا اختلقتُه. قال الكلبي: كان أهل مكة يسألون النبي صلى الله عليه وسلم الآيات تعنّتاً فإذا تأخرت اتهموه وقالوا: لولا اجتبيتها؟ أي: هلاّ أحدثتها وأنشأتها من عندك؟ { قُلْ } لهم يا محمد { إِنَّمَآ أَتَّبِعُ مَا يِوحَىٰ إِلَىَّ مِن رَّبِّى } ، ثم قال: { هَـٰذَا } ، يعني: القرآن { بَصَآئِرُ } ، حجج وبيان وبرهان؟ { من رَّبِّكُمْ } ، واحدتها بصيرة، وأصلها ظهور الشيء واستحكامه حتى يبصره الإنسان، فيهتدي به يقول: هذا دلائل تقودكم إلى الحق. { وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }. قوله عزّ وجلّ: { وَإِذَا قُرِىءَ ٱلْقُرْءَانُ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } ، اختلفوا في سبب نزول هذه الآية، فذهب جماعة إلى أنها في القراءة في الصلاة. رُوي عن أبي هريرة أنّهم كانوا يتكلّمون في الصلاة بحوائجهم فأُمروا بالسكوت والاستماع إلى قراءة القرآن. وقال قوم: نزلت في ترك الجهر بالقراءة خلف الإمام. وروى زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي هريرة قال: نزلت هذه الآية في رفع الأصوات وهم خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة. وقال الكلبي: كانوا يرفعون أصواتهم في الصلاة حين يسمعون ذكر الجنة والنار. وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه سمع ناساً يقرؤون مع الإمام فلما انصرف قال: أمَا آن لكم أن تفقهوا وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا كما أمركم الله؟ وهذا قول الحسن والزهري والنخعي: أن الآية في القراءة في الصلاة. وقال سعيد بن جبير وعطاء ومجاهد: إن الآية في الخطبة، أُمروا بالإنصات لخطبة الإمام يوم الجمعة. وقال سعيد بن جبير: هذا في الإنصات يوم الأضحى والفطر ويوم الجمعة، وفيما يجهر به الإمام. وقال عمر بن عبد العزيز: يجب الإنصات لقول كلِّ واعظ. والأول أولاها، وهو أنها في القراءة في الصلاة لأنّ الآية مكيَّة والجمعة وجبت بالمدينة.

السابقالتالي
2