الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ } * { إِنَّ وَلِيِّـيَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى ٱلصَّالِحِينَ } * { وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلاۤ أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ } * { وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَٰهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } * { خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ }

ثم بيّن عجزهم فقال: { أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ } قرأ جعفر بضم الطاء هنا وفي القصص والدخان، وقرأ الآخرون بكسر الطاء، { أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ ءَاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا } ، أراد أن قدرة المخلوقين تكون بهذه الجوارح والآلات، وليست للأصنام هذه الآلات، وأنتم مفضَّلُون عليهم بالأرجل الماشية والأيدي الباطشة والأعين الباصرة والآذان السامعة، وكيف تعبدون من أنتم أفضل وأقدر منهم؟ { قُلِ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ } ، يا معشر المشركين، { ثُمَّ كِيدُونِ } ، أنتم وهم، { فَلاَ تُنظِرُونِ } ، أي: لا تمهلوني واعجلوا في كيدي. قوله: { إِنَّ وَلِيِّىَ ٱللَّهُ ٱلَّذِى نَزَّلَ ٱلْكِتَـٰبَ } ، يعني القرآن، أي: إنه يتولاني وينصرني كما أيدني بإنزال الكتاب، { وَهُوَ يَتَوَلَّى ٱلصَّـٰلِحِينَ } ، قال ابن عباس رضي الله عنهما: يريد الذين لا يعدلون بالله شيئاً، فاللَّهُ يتولاهم بنصره فلا يضرهم عداوة من عاداهم. { وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلاۤ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ }. { وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَسْمَعُواْ } ، يعني الأصنام، { وَتَرَاهُمْ } يا محمد { يَنظُرُونَ إِلَيْكَ } ، يعني: الأصنام، { وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } ، وليس المراد من النظر حقيقة النظر، إنما المراد منه المقابلة، تقول العرب: داري تنظر إلى دارك، أي: تقابلها، وقيل: وتراهم ينظرون إليك أي: كأنهم ينظرون إليك كقوله تعالى:وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ } [الحج: 2]، أي: كأنهم سُكارى هذا قول [أكثر] المفسّرين. وقال الحسن: " وإن تدعوهم إلى الهدى " ، يعني: المشركين لا يسمعوا ولا يفعلون ذلك بقلوبهم وتراهم ينظرون إليك بأعينهم وهم لا يبصرون بقلوبهم. قوله تعالى: { خُذِ ٱلْعَفْوَ } ، قال عبدالله بن الزبير: أمر الله نبيّه عليه الصّلاة والسّلام أن يأخذ العفو من أخلاق الناس. وقال مجاهد: خذ العفو يعني العفو من أخلاق الناس وأعمالهم من غير تجسس، وذلك مثل قبول الاعتذار والعفو والمساهلة وترك البحث عن الأشياء ونحو ذلك. " ورُوي أنه لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل: «ما هذا؟ قال: لا أدري حتى أسأله، ثم رجع فقال: إنّ ربك يأمرك أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمّن ظلمك» ". وقال ابن عباس رضي الله عنهما والسدي والضحاك والكلبي: يعني خُذْ ما عفا لك من الأموال وهو الفضل عن العيال، وذلك معنى قوله:وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلْعَفْوَ } [البقرة: 219]، ثم نسخت هذه بالصدقات المفروضات. قوله تعالىٰ: { وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ } ، أي: بالمعروف، وهو كل ما يعرفه الشرع. وقال عطاء: وأمرْ بالعُرف يعني بلا إله إلاّ الله. { وَأَعْرِض عَنِ ٱلْجَـٰهِلِينَ } ، أبي جهلٍ وأصحابه، نسختها آية السيف. وقيل: إذا تسفه عليك الجاهل فلا تقابله بالسفه، وذلك مثل قوله:وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً } [الفرقان: 63]، وذلك سلام المُتاركة. قال جعفر الصادق: أمر الله نبيّه صلى الله عليه وسلم بمكارم الأخلاق، وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من هذه الآية.

السابقالتالي
2