الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِمَّنْ خَلَقْنَآ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } * { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } * { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِمْ مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ }

قوله تعالى: { وَمِمَّنْ خَلَقْنَآ أُمَّةٌ } أي: عصابة، { يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } ، قال عطاء عن ابن عباس: يريد أمّة محمد صلى الله عليه وسلم وهم المهاجرون والتابعون لهم بإحسان. " وقال قتادة: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ هذه الآية قال: «هذه لكم وقد أعطي القوم بين أيديكم مثلَها، ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون» ". أخبرنا عبدالواحد المليحي، أنا أحمد بن عبدالله النعيمي، أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل، حدثنا الحميدي، حدثني الوليد، حدثني ابن جابر، وهو عبدالرحمن بن يزيد بن جابر، حدثني عمير بن هانيء أنه سمع معاوية رضي الله عنه يقول: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تزال من أمتي أمةٌ قائمةٌ بأمر الله، لا يضرُّهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمرُ الله وهم على ذلك " وقال الكلبي: هم من جميع الخلق. { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـآيَـٰتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } قال عطاء: سنمكر بهم من حيث لا يعلمون. وقيل: نأتيهم من مأمنهم كما قال:فَأَتَاهُمُ ٱللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ } [الحشر: 2]، قال الكلبي: يزين لهم أعمالهم ويهلكهم، وقال الضحاك: كلما جدَّدوا معصيةً جدَّدْنا لهم نعمة. قال سفيان الثوري: نسبغ عليهم النعمة وننسيهم الشكر. قال أهل المعاني: الاستدراج أن يتدرج إلى الشيء في خفية قليلاً قليلاً فلا يباغت ولا يجاهر، ومنه درج الصبيُّ إذا قارب بين خطاه في المشي، ومنه درج الكتابَ إذا طواه شيئاً بعد شيء. { وَأُمْلِى لَهُمْ } ، أي: أمهلهم وأطيل لهم مدة عمرهم ليتمادوا في المعاصي، { إِنَّ كَيْدِى مَتِينٌ } ، أي: إن أخذي قوي شديد، قال ابن عباس: إن مكري شديد. قيل: نزلت في المستهزئين، فقتلهم الله في ليلة واحدة. قوله تعالى: { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ }. قال قتادة: ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قام على الصفا ليلاً، فجعل يدعو قريشاً فَخْذاً فخذاً: يا بني فلان، يا بني فلان، يحذّرُهم بأس الله ووقائعه، فقال قائلهم: إن صاحبكم هذا لمجنون بات يُصوِّت إلى الصباح، فأنزل الله تعالى: " أوَلمْ يتفكروا ما بصاحبهم " ، محمد صلى الله عليه وسلم: { مِّن جِنَّةٍ } جنون، { إِنْ هُوَ } ، ما هو، { إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } ، ثم حثهم على النظر المؤدّي إلى العلم فقال: { أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ }