الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَآ أُوْلَـٰئِكَ كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْغَافِلُونَ } * { وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

{ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ } أخبر الله تعالى أنه خلق كثيراً من الجنّ والإنس للنار، وهم الذين حقت عليهم الكلمة الأزليّة بالشقاوة، ومَنْ خلقه الله لجهنم فلا حيلة له في الخلاص منها. أخبرنا أبو بكر يعقوب بن أحمد بن محمد بن علي الصيرفي، أنا أبو محمد الحسن بن أحمد المخلدي، أنا أحمد بن محمد بن أبي حمزة البلخي، حدثنا موسى بن محمد بن الحكم الشطوي، حدثنا حفص بن غياث عن طلحة بن يحيى، عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين قالت: " أدرك النبي صلى الله عليه وسلم جنازة صبي من صبيان الأنصار، فقالت عائشة: طوبى له عصفورٌ من عصافير الجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما يدريك؟ إنْ الله خلق الجنّة وخلق لها أهلاً وهم في أصلاب آبائهم، وخلق النار وخلق لها أهلاً وهم في أصلاب آبائهم» ". وقيل: اللام في قولهم " لجهنم " لام العاقبة، أي: ذرأناهم، وعاقبة أمرهم جهنم كقوله تعالى:فَٱلْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } [القصص: 8]، ثم وصفهم فقال: { لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا } ، أي: لا يعملون بها الخير والهدى، { وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا } ، طريق الحقّ وسبيل الرشاد، { وَلَهُمْ ءَاذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَآ } ، مواعظ القرآن فيتفكرون فيها ويعتبرون بها، ثم ضرب لهم مثلاً في الجهل والاقتصار على الأكل والشرب، فقال: { أُوْلَـٰئِكَ كَٱلأَنْعَـٰمِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ } ، أي: كالأنعام في أنّ همتهم في الأكل والشرب والتمتع بالشهوات، بل هم أضلّ لأن الأنعام تُميّز بين المضار والمنافع، فلا تقدم على المضار، وهؤلاء يقدمون على النار معاندةً مع العلم بالهلاك، { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْغَـٰفِلُونَ }. قوله تعالى: { وَلِلَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا } ، قال مقاتل: وذلك أن رجلاً دعا الله في صلاته ودعا الرحمن، فقال بعض مشركي مكة: إن محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه يَدَّعُون أنهم يعبدون رباً واحداً فما بال هذا يدعو اثنين؟ فأنزل الله عزّ وجلّ: " ولله الأسماء الحسنى فادْعُوه به ". والحسنى تأنيث الأحسن كالكبرى والصغرى فادعوه بها. أخبرنا أحمد بن عبدالله الصالحي، أنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبدالله بن بشران، أنا أبو علي إسماعيل بن محمد الصفار، أنا أحمد بن منصور الرمادي حدثنا عبدالرزاق حدثنا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنّ لله تسعةً وتسعين اسماً، مائة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنّة، إنّه وِتْرٌ يحب الوِتر ". { وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِىۤ أَسْمَـٰئِهِ } ، قرأ حمزة: " يَلْحَدون " - بفتح الياء والحاء حيث كان - ووافقه الكسائي في النحل، والباقون بضم الياء وكسر الحاء، ومعنى الإلحاد هو: الميل عن [المقصد]، يقال: ألحَد يُلحد إلحاداً، ولحد يلحد لحوداً إذا مال.

السابقالتالي
2