الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِٱلْكِتَابِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُصْلِحِينَ } * { وَإِذ نَتَقْنَا ٱلْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } * { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ }

{ وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالكِتَابِ } قرأ أبو عامر عن عاصم: " يُمْسِكون " بالتخفيف، وقراءة العامة بالتشديد لأنه يقال تمسّكت بالشيء، ولا يقال أمسكت بالشيء، إنما يقال أمسكته، وقرأ أُبيّ بن كعب: " والذين تمسّكوا بالكتاب " ، على الماضي وهو جيد لقوله تعالى: { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ } ، إذْ قَلّ ما يعطف ماضٍ على مستقبل إلاّ في المعنى، [وأراد] الذين يعملون بما في الكتاب، قال مجاهد: هم المؤمنون من أهل الكتاب، عبدالله بن سلام وأصحابه، تمسكوا بالكتاب الذي جاء به موسى فلم يحرّفوه ولم يكتموه ولم يتخذوه مأكلةً. وقال عطاء: هم أمّة محمد صلى الله عليه وسلم. { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُصْلِحِينَ }. قوله تعالى: { وَإِذ نَتَقْنَا ٱلْجَبَلَ فَوْقَهُمْ } ، أي: فلقنا الجبل. وقيل: رفعناه { كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ } ، قال عطاء: سقيفة. والظلّة: كل ما أظلك، { وَظَنُّوۤاْ } وعلموا { أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ } ، أي: وقلنا لهم خذوا، { مَآ ءَاتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ } ، بجدٍ واجتهاد، { وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ } ، واعلموا به، { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } ، وذلك حين أبَوْا أن يقبلوا أحكام التوراة، فرفع الله على رؤسهم جبلاً. قال الحسن: فلما نظروا إلى الجبل خرّ كل رجل منهمَ ساجداً على حاجبه الأيسر ينظر بعينه اليمنى إلى الجبل فرقاً من أن يسقط عليه، ولذلك لا تجد يهودياً إلا ويكون سجوده على حاجبه الأيسر. قوله تعالى: { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِىۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } ، الآية. أخبرنا أبُو الحسن محمد بن محمد السرخسي أنا زاهر بن أحمد، أنا أبو إسحاق الهاشمي، أنا أبو مصعب، عن مالك، عن زيد بن أبي أنيسة عن عبدالحميد بن عبد الرحمن، عن زيد بن الخطاب أخبره عن مسلم بن يسار الجهني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سُئل عن هذه الآية: { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِىۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } الآية، قال عمر بن الخطاب: " سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم [يُسأل عنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم]: إن الله عزّ وجلّ خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه، فاستخرج منه ذُرّيةً، فقال: خلقتُ هؤلاء للجنّة وبعمل أهل الجنّة يعملون. ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذريّةً فقال: خلقتُ هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون، فقال رجل: فَفِيمَ العملُ يا رسولَ الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن اللَّهَ عزّ وجلّ إذا خلق العبد للجنّة استعمله بعمل أهل الجنّة، حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنّة، فيدخله به الجنّة، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار، حتى يموت على عمل من أعمالِ أهل النار فيدخله به النار " وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن. ومسلم بن يسار لم يسمع من عمر، وقد ذكر بعضهم في هذا الإسناد بين مسلم بن يسار وعمر رجلاً.

السابقالتالي
2 3