الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱكْتُبْ لَنَا فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَـآ إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِيۤ أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَآءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَـاةَ وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ } * { ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَٱلأَغْلاَلَ ٱلَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }

{ وَٱكْتُبْ لَنَا } أوجب لنا { فِى هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً } ، النعمة والعافية، { وَفِي ٱلأَخِرَةِ } ، أي: المغفرة والجنّة، { إِنَّا هُدْنَـآ إِلَيْكَ } ، أي: تبنا إليك، { قَالَ } الله تعالى: { عَذَابِىۤ أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَآءُ } ، من خلقي، { وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } ، عمَّتْ كلَّ شيء، قال الحسن وقتادة: وسعت رحمته في الدنيا البرَّ والفاجر، وهي يوم القيامة للمتقين خاصة. قال عطية العوفي: وسعت كل شيء ولكن لا تجب إلا للذين يتقون، وذلك أن الكافر يرزق، ويدفع عنهم بالمؤمنين لسعة رحمة الله للمؤمنين، فيعيش فيها، فإذا صار إلى الآخرة وجبت للمؤمنين خاصة، كالمستضيء بنار غيره إذا ذهب صاحب السراج بسراجه. قال ابن عباس - رضي الله عنهما - وقتادة، وابن جريج: لمّا نزلت: " ورحمتي وَسِعَتْ كلَّ شيء " ، قال إبليس: أنا من ذلك الشيء، فقال الله سبحانه وتعالى: { فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَـوٰةَ وَٱلَّذِينَ هُم بِـآيَـٰتِنَا يُؤْمِنُونَ } فتمنّاها اليهود والنصارى، وقالوا: نحن نتقي ونؤمن، ونؤتي الزكاة، فجعلها الله لهذه الأمة فقال: { ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِىَّ ٱلأُمِّىَّ } الآية. قال نوف البِكَالي الحميري: لما اختار موسى سبعين رجلاً، قال الله تعالى لموسى: أجعلُ لكم الأرض مسجداً وطهوراً، تصلون حيث أدركتكم الصلاة إلا عند مرحاض أو حمام أو قبر، وأجعل السكينة في قلوبكم، وأجعلكم تقرؤون التوراة عن ظهر قلوبكم، يقرؤها الرجل والمرأة، والحرّ والعبد، والصغير والكبير، فقال ذلك موسى لقومه، فقالوا: لا نريد أن نصلي إلاّ في الكنائس، ولا نستطيع حمل السكينة في قلوبنا، ولا نستطيع أن نقرأ التوراة عن ظهور قلوبنا، ولا نريد أن نقرأها إلا نظراً، فقال الله تعالى: { فسأكتُبها للذين يتّقُون ويُؤتون الزكاة } إلى قوله: { أولئك هم المفلحون } ، فجعلها الله لهذه الأمة. فقال موسى عليه السلام: يا ربّ اجعلني نبيِّهم، فقال: نبيهم منهم. قال: ربّ اجعلني منهم، فقال: إنك لن تدركهم، فقال موسى عليه السلام: يا رب إني أتيتك بوفد بني إسرائيل فجعلت وفادتنا لغيرنا، فأنزل الله تعالى:وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } [الأعراف: 159]، فرضي موسى. قوله تعالى: { ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِىَّ ٱلأُمِّىَّ } ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم. قال ابن عباس رضي الله عنهما هو نبيكم كان أمياً لا يكتب ولا يقرأ ولا يحسب. قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنّا أُمّة أُمّيّة لا نكتب ولا نحسب ". وهو منسوب إلى الأم، أي هو على ما ولدته أمه. وقيل: هو منسوب إلى أمته، أصله أُمَّتِي، فسقطت التاء في النسبة كما سقطت في المكي والمدني وقيل: هو منسوب إلى أم القرى وهي مكة. { ٱلَّذِى يَجِدُونَهُ } ، أي: يجدون صفته ونعته ونبوّته، { مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِى ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنجِيلِ }.

السابقالتالي
2