الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ ٱلْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُفْتَرِينَ } * { وَٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِهَا وَآمَنُوۤاْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَلَماَّ سَكَتَ عَن مُّوسَى ٱلْغَضَبُ أَخَذَ ٱلأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ }

قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ ٱلْعِجْلَ } ، أي: اتخذوه إلهاً { سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ } ، في الآخرة { وَذِلَّةٌ فِى ٱلْحَيوٰةِ ٱلدُّنْيَا } ، قال أبو العالية: هو ما أمروا به من قتل أنفسهم. وقال عطية العوفي: " إن الذين اتخذوا العجل " ، أراد اليهودَ الذين كانوا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم عيّرهم بصنيع آبائهم فنسبه إليهم، { سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِى ٱلْحَيوٰةِ ٱلدُّنْيَا } ، أراد ما أصاب بني قريظة والنضير من القتل والجلاء. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: هو الجزية، { وَكَذَٰلِكَ نَجْزِى ٱلْمُفْتَرِينَ } ، الكاذبين، قال أبو قلابة: هو ـ والله ـ جزاء كل مفترٍ إلى يوم القيامة أن يذلّه الله. قال سفيان بن عيينة: هذا في كل مبتدع إلى يوم القيامة. قوله عزّ وجلّ: { وَٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِهَا وَءَامَنُوۤاْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }. قوله تبارك وتعالى: { وَلَمَّا سَكَتَ } أي: سكن، { عَن مُّوسَى ٱلْغَضَبُ أَخَذَ ٱلأَلْوَاحَ } ، التي كان ألقاها وقد ذهبت ستة أسباعها { وَفِى نُسْخَتِهَا } ، اختلفوا فيه، قيل: أراد بها الألواح لأنها نسخت من اللوح المحفوظ. وقيل: إن موسى لمّا ألقى الألواح تكسرت فنسخ نسخة أخرى فهو المراد من قوله: { وَفِى نُسْخَتِهَا }. وقيل: أراد فيما نسخ منها. وقال عطاء: فيما بقي منها. وقال ابن عباس وعمر بن دينار: لما ألقى موسى الألواح فتكسّرت صام أربعين يوماً فردت عليه في لوحين فكان فيه، { هُدًى وَرَحْمَةً } ، أي: هدى من الضلالة ورحمة من العذاب، { لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ } ، أي: للخائفين من ربهم، واللام في { لِرَبِّهِمْ } زيادة للتوكيد كقوله:رَدِفَ لَكُم } [النمل: 72]، وقال الكسائي: لما تقدمتْ قبل الفعل حَسُنَتْ، كقوله:لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ } [يوسف: 43]، وقال قطرب: أراد من ربهم يرهبون. وقيل: أراد راهبون. وقيل: أراد راهبون لربهم.