الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً ٱتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ } * { وَلَمَّا سُقِطَ فِيۤ أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ }

قوله عزّ وجلّ: { وَٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ } ، أي: من بعد انطلاقه إلى الجبل { مِنْ حُلِيِّهِمْ } التي استعاروها من قوم فرعون. قرأ حمزة والكسائي { مِنْ حُلِيِّهِمْ } بكسر الحاء وقرأ يعقوب بفتح الحاء وسكون اللام، اتّخذ السامريّ منها { عِجْلاً } ، وألقى في فمه من تراب أثر فرس جبريل عليه السلام فتحول عجلاً، { جَسَداً } ، حياً لحماً ودماً { لَّهُ خُوَارٌ } ، وهو صوت البقر، وهذا قول ابن عباس، والحسن، وقتادة، وجماعة أهل التفسير. وقيل: كان جسداً مجسداً من ذهب لا روح فيه، كان يسمع منه صوت. وقيل: كان يسمع صوت حفيف الريح يدخل في جوفه ويخرج. والأول أصح. وقيل: إنه ما خار إلا مرة واحدة. وقيل: إنه كان يخور كثيراً كلما خار سجدوا له وإذا سكت رفعوا رؤوسهم. وقال وهب: كان يسمع منه الخوار وهو لا يتحرك. وقال السدي: كان يخور ويمشي، { أَلَمْ يَرَوْاْ } ، يعني: الذين عبدوا العجل { أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً }. قال الله عزّ وجلّ: { ٱتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَـٰلِمِينَ } ، أي: اتخذوه إلهاً وكانوا كافرين. { وَلَمّا سُقِطَ فِي أيْدِيهِمْ } ، أي: ندموا على عبادة العجل، تقول العرب لكل نادم على أمر: قد سقط في يديه، { وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا } ، يَتُبْ علينا ربُّنا، { وَيَغْفِرْ لَنَا } ، يتجاوز عنا، { لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ } ، قرأ حمزة والكسائي: " ترحمنا وتغفر لنا " بالتاء فيهما، " رَبَّنَا " بنصب الباء. وكان هذا الندم والاستغفار منهم بعد رجوع موسى إليهم.