الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُوۤاْ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ } * { وَمَا تَنقِمُ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَآءَتْنَا رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ } * { وَقَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَآءَهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَآءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ }

{ قَالُوۤاْ } ، يعني السحرة لفرعون: { إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ } ، راجعون في الآخرة. { وما تَنقِمُ مِنَّآ } ، أي: ما تكره منّا. وقال الضحاك وغيره: وما تطعن علينا. وقال عطاء: مالنا عندك من ذنب تعذبنا عليه، { إِلآ أَنْ ءَامَنَّا بِـآيَـٰتِ رَبِّنَا لَمَّا جَآءَتْنَا } ، ثم فزعوا إلى الله عزّ وجلّ فقالوا: { رَبَّنَآ أَفْرِغْ } أصببْ { عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ } ، ذكر الكلبي: أن فرعون قطّع أيديهم وأرجلهم وصلبهم، وذكر غيره: أنه لم يقدر عليهم لقوله تعالى:فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَآ أَنتُمَا وَمَنِ ٱتَّبَعَكُمَا ٱلْغَالِبُونَ } [القصص: 35]. { وَقَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ } له: { أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِى ٱلأَرْضِ } ، وأرادوا بالإفساد في الأرض دعاءهم الناس إلى مخالفة فرعون في عبادته، { وَيَذَرَكَ } ، أي: وليذرك، { وَءالِهَتَكَ } ، فلا يعبدك ولا يعبدها. قال ابن عباس: كان لفرعون بقرة يعبدها، وكان إذا رأى بقرة حسناء أمرهم أن يعبدوها، فلذلك أخرج السامري لهم عجلاً. وقال الحسن: كان قد علق على عنقه صليباً يعبده. وقال السدي: كان فرعون قد اتّخذ لقومه أصناماً وأمرهم بعبادتها، وقال لقومه: هذه آلهتكم وأنا ربها وربكم، فذلك قوله:أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } [النازعات: 24]، وقرأ ابن مسعود وابن عباس والشعبي والضحاك: " ويذرك وإلاَهَتَكَ " بكسر الألف، أي: عبادتك فلا يعبدك، لأن فرعون كان يُعْبَد ولا يَعْبُد. وقيل: أراد بالآلهة الشمس، وكانوا يعبدونها. قال الشاعر:
تَرَوَّحْنَا من اللَّعْبَاءِ قَصْراً   وَأعْجَلْنَا الإلاهةَ أَنْ تُؤبَا
{ قَالَ } فرعون: { سَنُقَتِّلُ أَبْنَآءَهُمْ } ، قرأ أهل الحجاز: " سنقتل " بالتخفيف من القتل، وقرأ الآخرون بالتشديد من التقتيل على التكثير، { وَنَسْتَحْيِـى نِسَآءَهُمْ } ، نتركهن أحياء، { وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَـٰهِرُونَ } ، غالبون. قال ابن عباس: كان فرعون يقتل أبناء بني إسرائيل في العام الذي قيل له إنه يولد مولود يذهب بملكك، فلم يزل يقتلهم حتى أتاهم موسى بالرسالة، وكان من أمره ما كان، فقال فرعون: أعيدوا عليهم القتل فأعادوا عليهم القتل، فشكت ذلك بنو إسرائيل.