الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ تِلْكَ ٱلْقُرَىٰ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَٰتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلْكَٰفِرِينَ } * { وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَآ أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ }

{ تِلْكَ ٱلْقُرَىٰ } ، أي: هذه القرى التي ذكرت لك أمرها وأمر أهلها، يعني: قرى يوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وشعيب. { نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا } ، أخبارها لما فيها من الاعتبار، { وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَـٰتِ } ، بالآيات والمعجزات والعجائب، { فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ } ، أي: فما كانوا ليؤمنوا بعد رؤية المعجزات والعجائب بما كذبوا من قبل رؤيتهم تلك العجائب، نظيره قوله عزّ وجلّ:قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ } [المائدة: 102]. قال ابن عباس والسدي: يعني فما كان هؤلاء الكفار الذين أهلكناهم ليؤمنوا عند إرسال الرسل بما كذبوا من قبل يوم أخذ ميثاقهم حين أخرجهم من ظهر آدم، فأقرّوا باللسان وأضمروا التكذيب. وقال مجاهد: معناه فما كانوا لو أحييناهم بعد إهلاكهم ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل هلاكهم كقوله عزّ وجلّ:وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ } [الأنعام: 28]. قال يمانُ بن رباب: هذا على معنى أن كل نبي أنذر قومه بالعذاب فكذبوه، يقول: ما كانوا ليؤمنوا بما كذب به أوائلهم من الأمم الخالية، بل كذبوا بما كذب أوائلهم، نظيره قوله عزّ وجلّ:كَذَلِكَ مَآ أَتَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } [الذاريات: 52]. { كَذَلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلْكَـٰفِرِينَ } ، أي: كما طبع الله على قلوب الأمم الخالية التي أهلكهم، كذلك يطبع الله على قلوب الكفار الذين كُتِب عليهم أنْ لا يؤمنوا من قومك. { وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ } أي: وفاء بالعهد الذي عاهدهم يوم الميثاق، حين أخرجهم من صلب آدم، { وَإِن وَجَدْنَآ أَكْثَرَهُمْ لَفَـٰسِقِينَ } ، أي: ما وجدنا أكثرهم إلا َفاسقين ناقضين للعهد.