الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } * { أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ } * { أَمْ عِندَهُمُ ٱلْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ } * { فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ ٱلْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ } * { لَّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِٱلْعَرَآءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ } * { فَٱجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُواْ ٱلذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ } * { وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ }

{ فَذَرْنِى وَمَن يُكَذِّبُ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ } ، أي فدعني والمكذبين بالقرآن، وخلِّ بيني وبينهم. قال الزجاج: معناه لا تشغل قلبك بهم كِلْهُم إليّ فإني أكفيكهم، قال ومثله: { ذَرنِى وَمَنْ خُلِقْتُ وَحِيداً } ، معناه في اللغة: لا تشغل قلبك به وكله إليَّ فإني أجازيه. ومثله قول الرجل: ذرني وإياه، ليس أنه منعه منه ولكن تأويله كِلْه فإني أكفيك أمره. قوله تعالى: { سَنَسْتَدْرِجُهُم } ، سنأخذهم بالعذاب، { مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُون } ، فعذبوا يوم بدر. { وَأُمْلِى لَهُمْ إِنَّ كَيْدِى مَتِينٌ * أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ * أَمْ عِندَهُمُ ٱلْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ * فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ } ، اصبر على أذاهم لقضاء ربك، { وَلاَ تَكُنْ } ، في الضجر والعجلة، { كَصَـٰحِبِ الحُوتِ } ، وهو يونس بن متى، { إِذْ نَادَى } ، ربه في بطن الحوت، { وَهُوَ مَكْظُوم } ، مملوء غماً. { لَّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ } ، أدركته { نِعْمَةٌ مِّن رَبّه } ، حين رحمه وتاب عليه، { لَنُبِذَ بالعَرَاءِ } ، لطرح بالفضاء من بطن الحوت، { وَهُوَ مَذْمُوم } ، يذم ويلام بالذنب يذنبه. { فَٱجْتَبَـٰهُ رَبُّهُ } ، اصطفاه، { فَجَعَلَهُ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ * وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ } ، وذلك أن الكفار أرادوا أن يصيبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعين فنظر إليه قوم من قريش وقالوا: ما رأينا مثله ولا مثل حججه. وقيل: كانت العين في بني أسد حتى كانت الناقة والبقرة السمينة تمر بأحدهم فيعاينها ثم يقول: يا جارية خذي المكتل والدرهم فأتينا بشيىء من لحم هذه فما تبرح حتى تقع بالموت، فتنحر. وقال الكلبي: كان رجل من العرب يمكث لا يأكل يومين أو ثلاثاً ثم يرفع جانب خبائه فتمر به الإبل فيقول لم أرَ كاليوم إبلاً ولا غنماً أحسن من هذه، فما تذهب إلا قليلاً حتى تسقط منها طائفة وعدة، فسأل الكفار هذا الرجل أن يصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعين ويفعل به مثل ذلك، فعصم الله نبيه وأنزل: { وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزْلِقُونَكَ بأبصَارِهِمْ } ، أي ويكاد، ودخلت اللام في { لَيُزْلِقُونَكَ } لمكان " إن " ، وقرأ أهل المدينة: " ليَزْلقونك " بفتح الياء، والآخرون بضمها، وهما لغتان، يقال: زلقَه يَزلُقه زلقاً وأزْلَقه يُزلُقه إزلاقاً. قال ابن عباس: معناه: ينفذونك، ويقال: زلق السهم: إذا أنفذ. قال السدي: يصيبونك بعيونهم. قال النضر بن شميل: يعينونك. وقيل: يزيلونك. وقال الكلبي: يصرعونك. وقيل: يصرفونك عما أنت عليه من تبليغ الرسالة. قال ابن قتيبة: ليس يريد أنهم يصيبونك بأعينهم كما يصيب العائن بعينه ما يعجبه، وإنما أراد أنهم ينظرون إليك إذا قرأت القرآن نظراً شديداً بالعداوة والبغضاء، يكاد يسقطك. وقال الزجاج: يعني من شدة عداوتهم يكادون بنظرهم نظر البغضاء أن يصرعوك.

السابقالتالي
2