الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِٱلْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } * { وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ ٱجْهَرُواْ بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } * { أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } * { هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ ذَلُولاً فَٱمْشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ ٱلنُّشُورُ } * { ءَأَمِنتُمْ مَّن فِي ٱلسَّمَآءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ ٱلأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ } * { أَمْ أَمِنتُمْ مِّن فِي ٱلسَّمَآءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ } * { وَلَقَدْ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نكِيرِ } * { أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى ٱلطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَـٰفَّـٰتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱلرَّحْمَـٰنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ } * { أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُمْ مِّن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنِ ٱلْكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ } * { أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّواْ فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ } * { أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِٱلْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وأجرٌ كَبيرٌ * وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ ٱجْهَرُواْ بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } ، قال ابن عباس: نزلت في المشركين كانوا ينالون من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخبره جبريل عليه السلام بما قالوا، فقال بعضهم لبعض: أسرُّوا قولكم كي لا يسمع إله محمد. فقال الله جلّ ذكره: { أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ } ، ألا يعلم ما في الصدور من خلقها، { وَهُوَ ٱللَّطِيفُ الخَبِيرُ } ، لطيف علمه في القلوب الخبير بما فيها من الخير والشر والوسوسة. وقيل: " مَنْ " يرجع إلى المخلوق، أي ألا يعلم الله مخلوقه؟ { هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ ذَلُولاً } ، سهلاً لا يمتنع المشي فيها بالحزونة، { فَٱمْشُواْ فِى مَنَاكِبِهَا } ، قال ابن عباس وقتادة: في جبالها. وقال الضحاك: في آكامها. وقال مجاهد: في طرقها وفجاجها. قال الحسن: في سبلها. وقال الكلبي: في أطرافها. وقال مقاتل: في نواحيها. قال الفراء: في جوانبها. والأصل في الكلمة الجانب، ومنه منكب الرجل والريح النكباء وتَنكَّب فلان أي جانب. { وَكُلُواْ مِن رزقِهِ } ، مما خلقه رزقاً لكم في الأرض، { وَإِلَيْهِ النُشُور } ، أي: وإليه تبعثون من قبوركم. ثم خوَّف الكفار فقال: { ءَأَمِنتُمْ مَّن فِى ٱلسَّمَآءِ } ، قال ابن عباس: أي: عذاب مَنْ في السماء إن عصيتموه، { أَن يَخْسِفَ بِكُمُ ٱلأََرْضَ فَإِذَا هِىَ تَمُورُ } ، قال الحسن: تتحرك بأهلها. وقيل: تهوي بهم. والمعنى: أن الله تعالى يحرِّك الأرض عند الخسف بهم حتى تلقيَهم إلى أسفل تعلو عليهم وتمر فوقهم. يقال: مَارَ يَمُورُ أي: جاء وذهب. { أَمْ أَمِنتُمْ مِّن فِى ٱلسَّمَآءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَـٰصِباً } ، ريحاً ذات حجارة كما فعل بقوم لوط. { فَسَتَعْلَمُونَ } ، في الآخرة وعند الموت، { كَيْفَ نَذِير } ، أي إنذاري إذا عاينتم العذاب. { وَلَقَدْ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } ، يعني كفار الأمم الماضية، { فَكَيْفَ كَانَ نَكِير } ، أي إنكاري عليهم بالعذاب. { أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى ٱلطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَــٰفَّـٰتٍ } ، تصف أجنحتها في الهواء، { وَيَقْبِضْنَ } ، أجنحتها بعد البسط، { مَا يُمْسِكُهُنَّ } ، في حال القبض والبسط أن يسقطن، { إِلاَّ ٱلرَّحْمَـٰنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ بَصِيرٌ }. { أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِى هُوَ جُندٌ لَّكُمْ } ، استفهام إنكار. قال ابن عباس: أي منعة لكم، { يَنصُرُكُمْ مِّن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ } ، يمنعكم من عذابه ويدفع عنكم ما أراد بكم. { إِنِ ٱلْكَـٰفِرُونَ إِلاَّ فِى غُرُورٍ } ، أي في غرور من الشيطان يغرهم بأن العذاب لا ينزل بهم. { أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِى يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ } ، أي من الذي يرزقكم المطر إن أمسك الله عنكم، { بَل لَّجُّواْ فِى عُتُوٍ } ، تمادٍ في الضلال، { ونُفُورٍ } ، تباعد من الحق. وقال مجاهد: كفور. ثم ضرب مثلاً فقال: { أَفَمَن يَمْشِى مُكِبّاً عَلَىٰ وَجْهِهِ } ، راكباً رأسه في الضلالة والجهالة أعمى القلب والعين لا يبصر يميناً ولا شمالاً وهو الكافر. قال قتادة: أكبَّ على المعاصي في الدنيا فحشره الله على وجهه يوم القيامة، { أَهْدَىٰ أَمَّن يَمْشِى سَوِيّا } ، معتدلاً يبصر الطريق وهو، { عَلَى صِرَٰطٍ مُسْتَقِمٍ } ، وهو المؤمن. قال قتادة: يمشي يوم القيامة سويّاً.