الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ ذَلِكَ أَمْرُ ٱللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً } * { أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُواْ عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُوْلاَتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ }

{ ذَلِكَ } ، يعني ما ذكر من الأحكام، { أَمْرُ ٱللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَـٰتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً }. { أَسْكِنُوهُنَّ } ، يعني مطلقات نسائكم { مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ } ، " مِنْ " صلة أي: أسكنوهن حيث سكنتم، { مِّن وُجْدِكُمْ } ،يعني سعتكم وطاقتكم يعني: إن كان موسراً يوسع عليها في المسكن والنفقة، وإن كان فقيراً فعلى قدر الطاقة، { وَلاَ تُضَآرُّوهُنَّ } ، لا تؤذوهن، { لِتُضَيِّقُواْ عَلَيهِن } ، مساكنهن فيخرجن، { وَإِن كُنَّ أُوْلَـٰتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنّ } ، فيخرجن من عدتهن. اعلم أن المعتدة الرجعية تستحق على الزوج النفقة والسكنى ما دامت في العدة. ونعني بالسكنى: مؤنة السكنى فإن كانت الدار التي طلقها فيها ملكاً للزوج يجب على الزوج أن يخرج ويترك الدار لها مدة عدتها، وإن كانت بإجارة فعلى الزوج الأجرة وإن كانت عارية فرجع المعير فعليه أن يكتري لها داراً تسكنها. فأما المعتدة البائنة بالخلع أو بالطلقات الثلاث أو باللعان فلها السكنى حاملاً كانت أو حائلاً عند أكثر أهل العلم. روي عن ابن عباس أنه قال: لا سكنى لها إلا أن تكون حاملاً وهو قول الحسن وعطاء والشعبي. واختلفوا في نفقتها: فذهب قوم إلى أنه لا نفقة لها إلا أن تكون حاملاً. روي ذلك عن ابن عباس وهو قول الحسن وعطاء والشعبي، وبه قال الشافعي وأحمد. ومنهم من أوجبها بكل حال روي ذلك عن ابن مسعود، وهو قول إبراهيم النخعي وبه قال الثوري وأصحاب الرأي. وظاهر القرآن يدل على أنها لا تستحق إلا أن تكون حاملاً لأن الله تعالى قال: { وَإِن كُنَّ أُوْلَـٰتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيهِن }. والدليل عليه من جهة السنة ما: أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي أخبرنا زاهر بن أحمد أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس " أن أبا عمرو بن حفص طلَّقها الْبَتَّةَ وهو غائب بالشام فأرسل إليها وكيلُه بشعير فَسَخِطَتْهُ، فقال: واللهِ مالك علينا من شيءٍ فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرتْ ذلك له، فقال لها: ليس لك عليه نفقة، وأمرها أن تعتد في بيت أم شَرِيكٍ، ثم قال: تلك امرأةٌ يغشاها أصحابي فاعتدِّي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك فإذا حللتِ فآذِنِينِي قالت: فلما حَلَلْتُ ذكرتُ له أنَّ معاويةَ بنَ أبي سفيان وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصُعْلُوكٌ لا مال له انكحي أسامة بن زيد قالت: فَكَرِهْتُه، ثم قال: انكحي أسامة فنكحتُه فجعلَ الله فيه خيراً واغتبطتُ به ".

السابقالتالي
2