الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُنَافِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } * { ٱتَّخَذُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُواّ ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ } * { وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ ٱلْعَدُوُّ فَٱحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ ٱللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } * { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ لَوَّوْاْ رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ } * { سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَـٰسِقِينَ }

{ إِذْ جَاءَكَ المُنَافِقُون } يعني عبد الله بن أبي بن سلول وأصحابه، { قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ لَكَـٰذِبُونَ } ، لأنهم أضمروا خلاف ما أظهروا. { ٱتَّخَذُوۤاْ أَيْمَـٰنَهُمْ جُنَّةً } ، سترة، { فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } ، منعوا الناس عن الجهاد والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم. { إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون }. { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ ءَامَنُوا } ، أقرُّوا باللسان إذا رأوا المؤمنين، { ثُمَّ كَفَرُوا } ، إذا خلوا إلى المشركين { فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم } ، بالكفر، { فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ } ، الإيمان. { وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَـٰمُهُمْ } ، يعني أن لهم أجساماً ومناظر، { وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ } ، فتحسب أنه صدق. قال عبد الله بن عباس: كان عبد الله بن أُبّي جسيماً فصيحاً ذلق اللسان، فإذا قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم قوله: { كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ } ، أشباح بلا أرواح وأجسام بلا أحلام. قرأ أبو عمرو والكسائي: " خُشْب " بسكون الشين، وقرأ الباقون بضمها. { مُسَنَّدة } ممالة إلى جدار من قولهم: أسندت الشيء إذا أَمَلْتُه، والتثقيل للتكثير، وأراد أنها ليست بأشجار تثمر ولكنها خشب مسندة إلى حائط، { يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ } ، أي لا يسمعون صوتاً في العسكر بأن نادى منادٍ أو انفلتت دابة أو أنشدت ضالة إلا ظنوا - من جبنهم وسوء ظنهم - أنهم يُرادون بذلك وظنوا أنهم قد أُتوا لما في قلوبهم من الرعب. وقيل: ذلك لكونهم على وجل من أن ينزل الله فيهم أمراً يهتك أستارهم ويبيح دماءهم ثم قال، { هُمُ العَدُوّ } ، هذا ابتداء وخبره، { فَـٱحْذَرْهُمْ } ، ولا تأمنهم، { قَاتَلَهُمُ ٱللَّهُ } ، لعنهم الله { أَنَّى يُؤْفَكُونَ } ، يصرفون عن الحق. { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ لَوَّوْاْ رُءُوسَهُمْ } ، أي عطفوا وأعرضوا بوجوههم رغبة عن الاستغفار. قرأ نافع ويعقوب " لَوَوا " بالتخفيف وقرأ الآخرون بالتشديد، لأنهم فعلوه مرة بعد مرة. { وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدّونَ } ، يُعرضون عمّا دُعُوا إليه، { وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ } ، متكبرون عن استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم. { سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ } ، يا محمد، { أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلفَـٰسِقِين } ذكر محمد بن إسحاق وغيره عن جماعة من أصحاب السير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بَلَغَهُ: أن بني المصطلق يجتمعون لحربه وقائدهم الحارث بن أبي ضرار أبو جويرة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إليهم حتى لقيهم على ماء من مياههم يقال له المُرَيْسيع من ناحية قُدَيْد إلى الساحل، فتزاحف الناس واقتتلوا فهزم الله بني المصطلق، وقتل من قتل منهم، ونقل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبناءهم ونساءهم وأموالهم فأفاءها عليهم، فبينما الناس على ذلك الماء إذ وردت واردة الناس ومع عمر بن الخطاب أجير له من بني غفار، يقال له جهجاه بن سعيد الغفاري يقود له فرسه فازدحم جهجاه وسنان بن وبرة الجهني حليف بني عوف بن الخزرج على ذلك الماء فاقتتلا، فصرخ الجهني: يا معشر الأنصار! وصرخ الغفاري: يا معشر المهاجرين! وأعان جهجاهاً الغفاريَّ رجلٌ من المهاجرين يقال له جُعال، وكان فقيراً فغضب عبد الله بن أُبّي بن سلول وعنده رهط من قومه فيهم زيد بن أرقم غلام حديث السن، فقال ابن أُبّي: أفعلوها؟ قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا والله ما مَثَلُنا ومثلُهم إلا كما قال القائل: سمِّن كلبك يأكلْك، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليُخْرِجَنَّ الأعزُّ منها الأذلَّ، يعني بالأعز نفسه وبالأذل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أقبل على من حضره من قومه فقال: هذا ما فعلتم بأنفسكم أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم، أما والله لو أمسكتم عن جعال وذويه فضل الطعام لم يركبوا رقابكم ولتحولوا إلى غير بلادكم، فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضُّوا من حول محمد، فقال زيد بن أرقم: أنتَ - والله - الذليل القليل المبغض في قومك ومحمد صلى الله عليه وسلم في عزّ من الرحمن عزّ وجلّ ومودة من المسلمين، فقال عبد الله بن أبي: أسكت فإنما كنتُ ألعب.

السابقالتالي
2 3 4