الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ ٱلْمَيِّتِ مِنَ ٱلْحَيِّ ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } * { فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ وَجَعَلَ ٱلْلَّيْلَ سَكَناً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ حُسْبَاناً ذٰلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلنُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَٰتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَٰحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَٰتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ }

قوله عزّ وجلّ: { إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ } الفلق الشق، قال الحسن وقتادة والسدي: معناه يشق الحبة عن السنبلة والنواة عن النخلة فيخرجها منها، والحب جمع الحبة، وهو اسم لجميع البزور والحبوب من البر والشعير والذرة، وكل مالم يكن له نوى، [وقال الزجاج: يشق الحبة اليابسة والنواة اليابسة فيخرج منهما أوراقاً خضراً. وقال مجاهد: يعني الشقين اللّذَين فيهما، أي: يشق الحب عن النبات ويخرجه منه ويشق النّوى عن النخل ويخرجها منه]. والنوى جمع نواة، وهي كل ما لم يكن له حب، كالتمر والمشمش والخوخ ونحوها. وقال الضحاك: فالق الحبّ والنّوى يعني: خالق الحبّ والنّوى، { يُخْرِجُ ٱلْحَىَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ ٱلْمَيِّتِ مِنَ ٱلْحَىِّ ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } ، تصرفون عن الحقِّ. { فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ } ، شاقّ عمود الصبح عن ظلمة الليل وكاشفه [وهو أول ما يبدو من النهار، يريد مُبدئ الصبح وموضحه]. وقال الضحاك: خالق النهار، والإصباح مصدر كالإقبال والإدبار وهو الإضاءة وأراد به الصبح. { وَجَعَلَ ٱلَّيْلَ سَكَناً } ، يسكن فيه خلقه، وقرأ أهل الكوفة، { وَجَعَلَ } على الماضي، { ٱلَّيْلِ } ، نَصْبٌ إتّباعاً للمصحف، وقرأ إبراهيم النخعي { فلق الإصباح } ، { وَجَعَلَ ٱلَّيْلَ سَكَناً } ، { وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ حُسْبَاناً } ، أي: جعل الشمس والقمر بحساب معلوم لا يجاوزانه ذاته حتى ينتهيا إلى أقصى منازلهم، والحسبان مصدر كالحساب، { ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ }. قوله عزّ وجلّ: { وَهُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلنُّجُومَ } ، أي: خلقها لكم،، { لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ والْبَحْرِ }. والله تعالى خلق النجوم لفوائد. أحدها هذا: وهو أن [راكب البحر] والسائر في القفار يهتدي بها في الليالي إلى مقاصده. والثاني أنها زينة للسماء كما قال:وَلَقَدْ زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ } [الملك: 5]. ومنها رمي الشياطين، كما قال:وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ } [الملك: 5]. { قَدْ فَصَّلْنَا ٱلأَيَـٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }. { وَهُوَ ٱلَّذِىۤ أَنشَأَكُم } ، خلقكم وابتدأكم، { مِّن نَّفْسٍ وَٰحِدَةٍ } ، يعني: آدم عليه السلام، { فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ } ، قرأ ابن كثير وأهل البصرة { فمستقرٌ } بكسر القاف، يعني: فمنكم مستقر ومنكم مستودع، وقرأ الآخرون بفتح القاف، أي: فلكم مستقر ومستودع. واختلفوا في المستقر والمستودع، قال عبدالله بن مسعود: فمستقر في الرحم إلى أن يولد، ومستودع في القبر إلى أن يبعث. وقال سعيد بن جبير وعطاء: فمستقَر في أرحام الأمهات ومستودع في أصلاب الآباء، وهو رواية عكرمة عن ابن عباس قال سعيد بن جبير: قال لي ابن عباس هل تزوجت قلت: لا، قال: أما إنه ما كان مستودع في ظهرك فسيخرجه الله عزّ وجلّ. ورُوي عن أبيّ أنه قال: مستقر في أصلاب الآباء، ومستودع في أرحام الأمّهات. وقيل: مستقر في الرحم ومستودع فوق الأرض، قال الله تعالى:وَنُقِرُّ فِي ٱلأَرْحَامِ مَا نَشَآءُ } [الحج: 5]. وقال مجاهد: مستقر على ظهر الأرض في الدنيا ومستودع عند الله في الآخرة، ويدل عليه قوله تعالى:وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ } [البقرة: 36]. وقال الحسن: المستقر في القبر والمستودع في الدنيا، وكان يقول: يا ابن آدم أنت وديعة في أهلك ويُوشك أن تلحق بصاحبك. وقيل: المستودع القبر والمستقر الجنة والنار لقوله عزّ وجلّ في صفة الجنة:حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً } [الفرقان: 76]، وسَآءَتْ مُسْتَقَرّاً } [الفرقان: 66]، { قَدْ فَصَّلْنَا ٱلأَيَـٰتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ }.