الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَٰجُّوۤنِّي فِي ٱللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَآءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ } * { وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَٰناً فَأَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِٱلأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }

قوله عزّ وجلّ: { وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّوۤنِّى فِى ٱللَّهِ وَقَدْ هَدَانِى } ، ولما رجع إبراهيم عليه السلام إلى أبيه، وصار من الشباب بحالة سقط عنه طمع الذّباحين، وضمه آزر إلى نفسه جعل آزر يصنع الأصنام ويعطيها إبراهيم ليبيعها، فيذهب بها [إبراهيم عليه السلام] وينادي من يشتري ما يضرّه ولا ينفعه، فلا يشتريها أحد، فإذا بارت عليه ذهب بها إلى نهر [فضرب] فيه رؤوسها، وقال: اشربي استهزاءً بقومه، وبما هم فيه من الضلالة، حتى فشا استهزاؤُهُ بها في قومه [وأهل] قريته، فحاجّه أيْ خاصمه وجادله قومه في دينه، { قال: أتحاجّونّي في الله } قرأ أهل المدينة وابن عامر بتخفيف النون، وقرأ الآخرون بتشديدها إدغاماً لإحدى النونين في الأخرى، ومن خفف حذف إحدى النونين تخفيفاً يقول: أتجادلونني في توحيد الله، وقد هداني للتوحيد والحق؟ { وَلآ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ } ، وذلك أنهم قالوا له: احذر الأصنام فإنّا نخاف أن تمسّك بسوء من خبل أو جنون لعيبك إيّاها، فقال لهم: ولا أخاف ما تُشركون به، { إِلاَّ أَن يَشَآءَ رَبِّى شَيْئاً } ، ليس هذا باستثناء من الأول بل هو استثناء منقطع، معناه لكن إنْ يشأ ربي شيئاً سوءاً فيكون ما شاء، { وَسِعَ رَبِّى كُلَّ شَىْءٍ عِلْماً } ، أي: أحاط علمه بكل شيء، { أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ }. { وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ } يعني: الأصنام وهي لا تبصر ولا تسمع ولا تضرّ ولا تنفع، { وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَـٰناً } ، حجة وبرهاناً، وهو القادر على كل شيء، { فَأَىُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ } ، أولى، { بِٱلأَمْنِ } ، أنا وأهل ديني أم أنتم، { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }.