الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّيۤ أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { وَكَذَلِكَ نُرِيۤ إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ ٱلْمُوقِنِينَ } * { فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلْلَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لاۤ أُحِبُّ ٱلآفِلِينَ }

قوله عزّ وجلّ: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَٰهِيمُ لأَبِيهِ ءَازَرَ } قرأ يعقوب { آزر } بالرفع، يعني: { آزَرُ } ، والقراءة المعروفة بالنصب، وهو اسم أعجمي لا ينصرف فينصب في موضع الخفض. قال محمد بن إسحاق والضحاك والكلبي: آزر اسم أبي إبراهيم وهو تارخ أيضاً مثل إسرائيل ويعقوب وكان من كوثى قرية من سواد الكوفة، وقال مقاتل بن حيان وغيره: آزر لقب لأبي إبراهيم، واسمه تارخ. وقال سليمان التيمي: هو سبّ وعيب، ومعناه في كلامهم المعوج، وقيل: معناه الشيخ الهِمُّ بالفارسية، وقال سعيد بن المسيّب ومجاهد: آزر اسم صنم، فعلى هذا يكون في محل النصب تقديره أتتخذ آزر إلهاً، قوله: { أَصْنَاماً ءَالِهَةً } ، دون الله، { إِنِّىۤ أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ }. { وَكَذَلِكَ نُرِىۤ إِبْرَٰهِيمَ } ، أي: كما أريناه البصيرة في دينه، والحق في خلاف قومه كذلك نريه، { مَلَكُوتَ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } ، والملكوت الملك زيدت فيه التاء للمبالغة، كالجبروت والرحموت والرهبوت، قال ابن عباس: يعني خلق السمٰوات والأرض، وقال مجاهد وسعيد بن جبير: يعني آيات السموات والأرض، وذلك أنه أقيم على صخرة وكشف له عن ملكوت السموات والأرض حتى العرش وأسفل الأرضين ونظر إلى مكانه في الجنّة، فذلك قوله تعالى: " وآتيناه أَجْرَهُ في الدنيا " ، يعني: أريناه مكانه في الجنّة. ورُوي عن سلمان رضي الله عنه، ورفعه بعضهم [عن عليّ رضي الله عنه] " لمّا أُرِي إبراهيم ملكوت السموات والأرض أبصر رجلاً على فاحشة فدعا عليه فهلك، ثم أبصر آخر فدعا عليه فهلك، ثم أبصر آخر فأراد أن يدعو عليه فقال له الرب عزّ وجلّ: «يا إبراهيم إنك رجل مستجاب الدعوة، فلا تدعونَّ على عبادي فإنما أنا من عبدي على ثلاث خصال: إمّا أن يتوب إليّ فأتوب عليه، وإمّا أن أخرج منه نسمة تعبدني، وإمّا أن يبعث إليّ فإن شئتُ عفوتُ عنه، وإن شئتُ عاقبتُه»، وفي رواية: «وإمّا أن يتولى فإنّ جهنم من ورائه» ". وقال قتادة: ملكوت السموات: الشمس والقمر والنجوم، وملكوت الأرض الجبال والشجر والبحار. { وَلِيَكُونَ مِنَ ٱلْمُوقِنِينَ } ، عطف على المعنى، ومعناه: نُريه ملكوت السموات والأرض، ليستدلّ به وليكون من الموقنين. { فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً } ، الآية، قال أهل التفسير: ولد إبراهيم عليه السلام في زمن نمرود بن كنعان، وكان نمرود أول من وضع التاج على رأسه دعا الناسَ إلى عبادته، وكان له كهان ومُنجّمون، فقالوا له: إنه يولد في بلدك هذه السنة غلام يغيّر دين أهل الأرض ويكون هلاكك وزوال ملكك على يديه، ويقال: إنهم وجدوا ذلك في كتب الأنبياء عليهم السلام. وقال السدي: رأى نمرود في منامه كأن كوكباً طلع فذهب بضوء الشمس والقمر حتى لم يبق لهما ضوء، ففزع من ذلك فزعاً شديداً، فدعا السحرة والكهنة فسألهم عن ذلك، فقالوا: هو مولود يُولد في ناحيتك في هذه السنة، فيكون هلاكك وهلاك مُلْكك وأهل بيتك على يديه، فأمر بذبح كل غلام يولد في ناحيته في تلك السنة، وأمر بعزل الرجال عن النساء، وجعل على كل عشرة رجال رجلاً فإذا حاضت المرأة خلّى بينها وبين زوجها، لأنهم كانوا لا يجامعون في الحيض، فإذا طهرت حال بينهما، فرجع آزر فوجد امرأته قد طهرت من الحيض فواقعها، فحملت بإبراهيم عليه السلام.

السابقالتالي
2 3 4