الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ } * { ثُمَّ رُدُّوۤاْ إِلَىٰ ٱللَّهِ مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ أَلاَ لَهُ ٱلْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ ٱلْحَاسِبِينَ } * { قُلْ مَن يُنَجِّيكُمْ مِّن ظُلُمَاتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ }

{ وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً } يعني: الملائكة الذين يحفظون أعمال بني آدم، وهو جمع حافظ، نظيره:وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ } [الانفطار: 10-11]، { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ } ، قرأ حمزة " توفيه " و " استهويه " بالياء وأمالهما، { رسلُنا } ، يعني: أعوان ملك الموت يقبضونه فيدفعونه إلى ملك الموت فيقبض روحه كما قال: قلْ يتوفّاكم مَّلكُ الموت، وقيل: الأعوان يتوفونه بأمر ملك الموت، فكأن ملك الموت توفاه لأنهم يصدرون عن أمره، وقيل: أراد بالرسل ملك الموت وحده، فذكر الواحد بلفظ الجمع، وجاء في الأخبار: إن الله تعالى جعل الدنيا بين ملك الموت كالمائدة الصغيرة فيقبض من هاهنا ومن هاهنا فإذا كثرت الأرواح يدعو الأرواح فتجيب له، { وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ } ، أيّ لا يقصرون. { ثُمَّ رُدُّوۤاْ إِلَىٰ ٱللَّهِ مَوْلَـٰهُمُ ٱلْحَقِّ } ، يعني: الملائكة، وقيل: يعني العباد يُردَّون بالموت إلى الله مولاهم الحق، فإن قيل الآية في المؤمنين والكفار جميعاً، وقد قال في آية أخرى:وَأَنَّ ٱلْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَىٰ لَهُمْ } [محمد: 11]، فكيف وجه الجمع؟ قيل: المولى في تلك الآية بمعنى الناصر ولا ناصر للكفار، والمولى هاهنا بمعنى المالك الذي يتولّى أمورهم والله عزّ وجلّ مالك الكل ومتولّي الأمور، وقيل: أراد هنا المؤمنين خاصة يردّون إلى مولاهم، والكفار فيه تبع، { أَلاَ لَهُ ٱلْحُكْمُ } ، أي: القضاء دون خلقه، { وَهُوَ أَسْرَعُ ٱلْحَـٰسِبِينَ } ، أي: إذا حاسب فحسابه سريع لأنه لا يحتاج إلى فكرة وروية وعقد يد. قوله عزّ وجلّ: { قُلْ مَن يُنَجِّيكُمْ } ، قرأ يعقوب بالتخفيف، وقرأ العامّة بالتشديد، { مِّن ظُلُمَـٰتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } ، أي: من شدائدهما وأهوالهما، كانوا إذا سافروا في البرّ والبحر فضلّوا الطريق وخافوا الهلاك، دَعَوُا اللَّهَ مخلصين له الدين فينجيهم، فذلك قوله تعالى: { تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً } ، أي: علانية وسراً، قرأ أبو بكر عن عاصم { وخيفة } ، بكسر الخاء هاهنا وفي الأعراف، وقرأ الآخرون بضمها وهما لغتان، { لَّئِنْ أَنجَـٰنَا } ، أي: يقولون لئن أنجيتنا، وقرأ أهل الكوفة: لئن أنجانا الله، { مِنْ هَـٰذِهِ } ، يعني: من هذه الظلمات، { لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ } ، والشكر: هو معرفة النعمة مع القيام بحقها.