{ وَمَا تَأْتِيهِم } يعني: أهل مكة، { مِّنْ ءَايَةٍ مِّنْ ءَايَـٰتِ رَبِّهِمْ } ، مثل انشقاق القمر وغيره، وقال عطاء: يريد من آيات القرآن، { إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ } ، لها تاركين بها مكذّبين. { فَقَدْ كَذَّبُواْ بِٱلْحَقِّ } ، بالقرآن، وقيل: بمحمد صلى الله عليه وسلم، { لَمَّا جَآءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ } ، أي: أخبار استهزائهم وجزاؤه، أي: سيعلمون عاقبة استهزائهم إذا عُذِّبوا. قوله عزّ وجلّ: { أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ } ، يعني: الأمم الماضية، والقرن: الجماعة من الناس، وجمعه قرون، وقيل: القرن مدة من الزمان، يقال: ثمانون سنة، وقيل: ستون سنة، وقيل: أربعون سنة، وقيل: ثلاثون سنة، ويقال: مائة سنة، لِمَا رُوي " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبدالله بن بُسْر المازني: «إنكَ تعيشُ قرناً» " ، فعاش مائة سنة. فيكون معناه على هذه الأقاويل من أهلِ قرنٍ، { مَّكَّنَّـٰهُمْ فِى ٱلأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ } ، أي: أعطيناهم مالم نعطكم، وقال ابن عباس: أمهلناهم في العمر مثل قوم نوح وعاد وثمود، يقال: مكّنتهُ ومكنتُ له، { وَأَرْسَلْنَا ٱلسَّمَآءَ عَلَيْهِم مَّدْرَاراً } ، يعني: المطر، مِفْعَال، من الدَّر، قال ابن عباس: مدراراً أي: مُتتابعاً في أوقات الحاجات، وقوله: " مالم نمكّنْ لكم " من خطاب التلوين، رجع من الخبر من قوله: " أَلم يَرَوْا " إلى الخطاب كقوله:{ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِى ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم } [يونس: 22]. وقال أهل البصرة: أخبر عنهم بقوله: " ألم يروا " وفيهم محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ثم خاطبهم معهم، والعرب تقول: قلت لعبدالله ما أكرمه، وقلت لعبدالله: ما أكرمك، { وَجَعَلْنَا ٱلأَنْهَـٰرَ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَـٰهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا } ، خلَقْنَا وابتدأنا، { مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً ءَاخَرِينَ }. قوله عزّ وجلّ: { وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَـٰباً فِى قِرْطَاسٍ } الآية، قال الكلبي ومقاتل: نزلت في النضر بن الحارث وعبدالله بن أبي أميّة ونوفل بن خويلد، قالوا: يا محمد لن نؤمن لك حتى تأتينا بكتاب من عند الله ومعه أربعة من الملائكة يشهدون عليه أنه من عند الله وأنك رسوله، فأنزل الله عزّ وجلّ: { وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَـٰباً فِى قِرْطَاسٍ } مكتوباً من عندي، { فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ } ، أي: عاينوه ومسّوه بأيديهم، وذكر اللمس ولم يذكر المعاينة لأن اللمس أبلغ في إيقاع العِلم من [الرؤية]، فإن السحر يجري على المرئي ولا يجري على الملموس، { لَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } ، معناه: أنه لا ينفع معهم شيء لِمَا سبق فيهم من علمي.