الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي ٱلظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ ٱللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { قُلْ أَرَءَيْتَكُمْ إِنْ أَتَـٰكُمْ عَذَابُ ٱللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ ٱلسَّاعَةُ أَغَيْرَ ٱللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } * { بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَآءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ } * { وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَٰهُمْ بِٱلْبَأْسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ } * { فَلَوْلاۤ إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ }

قوله عزّ وجلّ: { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـآيَـٰتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ } ، لا يسمعون الخير ولا يتكلمون به، { فِى ٱلظُّلُمَـٰتِ } ، في ضلالات الكفر، { مَن يَشَإِ ٱللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } ، وهو الإسلام. قوله تعالى: { قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ } ، هلْ رأيتم؟ والكاف فيه للتأكيد، قال الفَرَّاء: العرب تقول أرأيتَك، وهم يريدون أخبرنا، كما يقول: أرأيتَك إن فعلت كذا ماذا تفعل؟ أي: أخبرني، وقرأ أهل المدينة " أرايتكم، وأرايتم، وأرايت " ، بتليين الهمزة الثانية، والكسائي بحذفها، قال ابن عباس: قل يا محمد لهؤلاء المشركين أرأيتكم، { إِنْ أَتَـٰكُمْ عَذَابُ ٱللَّهِ } ، قبل الموت، { أَوْ أَتَتْكُمُ ٱلسَّاعَةُ } ، يعني: القيامة، { أَغَيْرَ ٱللَّهِ تَدْعُونَ } ، في صرف العذاب عنكم، { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } ، وأراد أن الكفار يدعون الله في أحوال الاضطرار كما أخبر عنهم:وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَٱلظُّلَلِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } [لقمان: 32]. ثم قال: { بَلْ إِيَّـٰهُ تَدْعُونَ } ، أي: تدعون الله ولا تدعون غيره، { فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَآءَ } ، قيّد الإجابة بالمشيئة [والأمور كلها بمشيئته]، { وَتَنسَوْنَ } ، وتتركون، { مَا تُشْرِكُونَ }. { وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَـٰهُمْ بِٱلْبَأْسَآءِ } ، بالشدّة والجوع، { وَٱلضَّرَّآءِ } ، المرض والزمانة، { لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ } ، أي: يتوبون ويخضعون، والتضرّعُ السؤال بالتذلّل. { فَلَوْلاۤ } ، فهلاّ، { إِذْ جَآءَهُم بَأْسُنَا } ، عذابُنَا، { تَضَرَّعُواْ } ، فآمنوا فيكشف عنهم، أخبر الله عزّ وجلّ أنه قد أرسل إلى قوم بلغوا من القسوة إلى أنهم أُخذوا بالشدة في أنفسهم وأموالهم فلم يخضعوا ولم يتضرّعوا، فذلك قوله: { وَلَـٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ } ، من الكفر والمعاصي.