الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } * { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } * { ٱنظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }

{ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً } ، أي: العابدين والمعبودين، يعني: يوم القيامة، قرأ يعقوب { يحشرهم } هاهنا، وفي سبأ بالياء، ووافق حفص في سبأ، وقرأ الآخرون بالنون. { ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } ، أنها تشفع لكم عند ربكم. { ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ } ، قرأ حمزة والكسائي ويعقوب " يكن " بالياء لأن الفتنة بمعنى الافتتان، فجاز تذكيره، وقرأ الآخرون بالتاء لتأنيث الفتنة، وقرأ ابن كثير وابن عامر حفص عن عاصم " فتنتهم " بالرفع جعلوه اسم كان، وقرأ الآخرون بالنصب، فجعلوا الاسم قوله " أن قالوا " وفتنتهم الخبر، ومعنى قوله " فتنتهم " أي: قولهم وجوابهم، وقال ابن عباس وقتادة: معذرتهم والفتنة التجربة، فلما كان سؤالهم تجربة لإظهار ما في قلوبهم قيل له فتنة. قال الزجاج: في قوله: { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ } معنى لطيف، وذلك مثل الرجل يفتتن بمحبوب ثم يصيبه فيه [محنة] فيتبرأ من محبوبه، فيقال: لم تكن فتنته إلا هذا، كذلك الكفار فُتنوا بمحبة الأصنام ولما رأوا العذاب تبرأوا منها، يقول الله عزّ وجلّ: { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ } ، في محبتهم للأصنام، { إِلاَّ أَن قَالُواْ وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } ، قرأ حمزة والكسائي { ربنا } بالنصب على النداء المضاف، وقرأ الآخرون بالخفض على نعت والله، وقيل: إنهم إذا رأوا يوم القيامة مغفرةَ الله تعالى وتجاوزوه عن أهل التوحيد، قال بعضهم لبعض: تعالوا نكتُمُ الشرك لعلّنا ننجوا مع أهل التوحيد، فيقولون: والله ربِّنا ما كنّا مشركين، فيختم على أفواههم وتشهدُ عليهم جوارحُهم بالكفر. فقال عزّ وجلّ: { ٱنظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ } ، باعتذارهم الباطل وتبريهم عن الشرك، { وَضَلَّ عَنْهُم } أي: زال وذهب عنهم { مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } ، من الأصنام، وذلك أنهم كانوا يرجون شفاعتها ونصرتها، فبطل كله في ذلك اليوم.