الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَآ أَمْرُهُمْ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ }

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ } ، قرأ حمزة والكسائي: { فارقوا } ، بالألف هاهنا وفي سورة الروم، أي: خرجوا من دينهم وتركوه، وقرأ الآخرون: " فرّقوا " مشدّداً، أي: جعلوا دينَ الله وهو واحد - دين إبراهيم عليه السلام الحنيفية - أدياناً مختلفة، فتهَّود قوم وتنصَّر قوم، يدلّ عليه قوله عزّ وجلّ: { وَكَانُواْ شِيَعًا } ، أي: صارُوا فرقاً مختلفة وهم اليهود والنصارى في قول مجاهد وقتادة والسدي. وقيل: هم أصحاب البدع والشبهات من هذه الأمة. ورُوي عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: " يا عائشةُ إنّ الذين فارقُوا دينَهم وكانوا شيعاً هم أصحاب البدع، والشبهات من هذه الأمّة " حدثنا أبو الفضل زياد بن محمد زياد الحنفي أنا أبو محمد عبدالرحمن بن أحمد بن محمد الأنصاري أنا أبو عبدالله محمد بن عقيل الأزهري بن عقيل الفقيه البلخي أنا الرَّمادي أحمد بن منصور أنا الضحاك بن مخلد أنا ثور بن يزيد نا خالد بن معدان عن عبدالرحمن بن عمرو السلمي " عن العرباض بن سارية قال: صلّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح فوعظنا موعظةً بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله كأنّها موعظةُ مودِّعٍ فأوْصِنَا، فقال: أوصِيكُمْ بتقوى الله والسمعِ والطّاعةِ وإنْ كان عبداً حبشياً، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنّتي: وسنّة الخلفاء الراشدين المهديين، عضُّوا عليها بالنواجِذِ وإياكم ومحدثات الأمور، فإنّ كل بدعة ضلالة ". ورُوي عن عبدالله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " " إنّ بني إسرائيل تفرّقتْ على اثنينِ وسبعين فرقة، وتفرقَت أمتي على ثلاثٍ وسبعين مِلّة، كلهم في النار إلاّ واحدة " قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: " ما أنا عليه وأصحابي ". قال عبد الله بن مسعود: " إن أحسنَ الحديث كتابُ الله، وأحسنَ الهدي هديُ محَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرُّ الأمورِ مُحدثاتُها ". ورواه جابر مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله عزّ وجلّ: { لَّسْتَ مِنْهُمْ فِى شَىْءٍ } ، قيل: لست من قتالهم في شيء، نسختها آية القتال، وهذا على قول من قال: المراد من الآية اليهود والنصارى، ومن قال: أراد بالآية أهل الأهواء قال: المراد من قوله: " لست منهم في شيء " ، أي: أنتَ منهم بريء وهم منك براء، وتقول العرب: إن فعلتَ كذا فلست مني ولستُ منكَ، أي: كل واحد مِنَّا بريءٌ من صاحبه، { إِنَّمَآ أَمْرُهُمْ إِلَى ٱللَّهِ } ، يعني: في الجزاء والمكافآت، { ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } ، إذا ورَدُوا للقيامة.