الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } * { ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ }

{ وَأَنَّ هَذَا } أي: هذا الذي وصّيتكم به في هاتين الآيتين، { صِرَٰطِي } ، طريقي وديني، { مُسْتَقِيماً } ، مستوياً قائماً، { فَٱتَّبِعُوهُ } ، قرأ حمزة والكسائي: " وإن " بكسر الألف على الاستئناف وقرأ الآخرون بفتح الألف، قال الفرَّاء: والمعنى وأتْلُ عليكم أنّ هذا صراطي مستقيماً. وقرأ ابن عامر ويعقوب بسكون النون. { وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ } ، أي: الطرق المختلفة التي عدا هذا الطريق، مثل اليهودية والنصرانية وسائر الملل، وقيل: الأهواء والبدع، { فَتَفَرَّقَ } ، فتميل، { بِكُمْ } ، وتشتّت، { عَن سَبِيلِهِ } ، عن طريقه ودينه الذي ارتضى، وبه أوصى، { ذَٰلِكُمْ } ، الذي ذكرت، { وَصَّـٰكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }. أخبرنا أبو بكر محمد بن عبدالصمد الترابي المعروف بأبي بكر بن أبي الهيثم أنا الحاكم أبو الفضل محمد بن الحسين الحدادي ثنا أبو يزيد محمد بن يحيى بن خالد ثنا أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ثنا عبدالرحمن بن مهدي عن حماد بن زيد عن عاصم بن بَهْدَلَة عن أبي وائل " عن عبدالله قال: خطّ لَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خطّاً ثم قال: «هذا سبيلُ اللَّهِ، ثمّ خطّ خطوطاً عن يمينه وعن شماله، وقال: هذه سُبلٌ على كلِّ سبيلٍ منها شيطانٌ يدعو إليه» ثم قرأ: { وأنّ هذا صراطي مستقيماً فاتّبِعُوه } الآية ". قوله عزّ وجلّ: { ثُمَّ ءاتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَـٰبَ } ، فإن قيل: لِمَ قال: " ثم آتينا " وحرف " ثم " للتعقيب وإيتاء موسى الكتاب كان قبل مجيء القرآن؟ قيل: معناه ثم أخبُركم أنّا آتينا موسى الكتاب، فدخل " ثم " لتأخير الخبر لا لتأخير النزول. { تَمَامًا عَلَى ٱلَّذِىۤ أَحْسَنَ } ، اختلفوا فيه، قيل: تماماً على المحسنين من قومه، فيكون " الذي " بمعنى من، أي: على من أحسن من قومه، وكان بينهم محسن ومسيء، يدلّ عليه قراءة ابن مسعود: " على الذين أحسنوا " ، وقال أبو عبيدة: معناه على كل من أحسن، أي: أتممنا فضيلة موسى بالكتاب على المحسنين، يعني: أظهرنا فضله عليهم، والمحسنون هم الأنبياء والمؤمنون، وقيل: " الذي أحسن " هو موسى، و " والذي " بمعنى ما، أي: على ما أحسن موسى، تقديره: آتيناه الكتاب، يعني التوراة إتماماً للنعمة عليه لإحسانه في الطاعة والعبادة وتبليغ الرسالة وأداء الأمر. وقيل: الإحسان بمعنى العلم، وأحسن بمعنى علم، ومعناه: تماماً على الذي أحسن موسى من العلم والحكمة، أي آتيناه الكتاب زيادة على ذلك. وقيل: معناه تماماً منّي على إحساني إلى موسى. { وَتَفْصِيلاً } ، بياناً { لِّكُلِّ شَىْءٍ } ، يحتاج إليه من شرائع الدين، { وَهُدًى وَرَحْمَةً } ، هذا في صفة التوراة، { لَّعَلَّهُم بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ } ، قال ابن عباس: كي يؤمنوا بالبعث ويصدقوا بالثواب والعقاب.