الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ فَلِلَّهِ ٱلْحُجَّةُ ٱلْبَالِغَةُ فَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } * { قُلْ هَلُمَّ شُهَدَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَ هَـٰذَا فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } * { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }

{ قُلْ فَلِلَّهِ ٱلْحُجَّةُ ٱلْبَالِغَةُ } ، التامّة على خلقه بالكتاب والرسول والبيان، { فَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } ، فهذا يدلّ على أنه لم يشأ إيمان الكافر ولو شاء لهداه. { قُلْ هَلُمَّ } ، يقال للواحد والاثنين والجمع، { شُهَدَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ يَشْهَدُونَ } ، أي: ائتوا بشهدائكم الذين يشهدون، { أَنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَ هَـٰذَا } ، هذا راجع إلى ما تقدم من تحريمهم الأشياء على أنفسهم ودعْوَاهم أن الله أمرهم به، { فَإِن شَهِدُواْ } ، كاذبين، { فَلاَ تَشْهَدْ } ، أنت، { مَعَهُمْ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَـٰتِنَا وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلأَخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } ، أي: يشركون. قوله عزّ وجلّ: { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } ، وذلك أنهم سألوا وقالوا: أيّ شيءٍ الذي حرّم الله تعالى؟ فقال عزّ وجلّ: " قل تعالَوا أتل " ، أقرأ ما حرّم ربكم عليكم حقاً يقيناً لا ظناً ولا كذباً كما تزعمون. فإن قيل: ما معنى قوله: " حرم ربكم عليكم ألاَّ تشركوا به شيئاً " ، والمحرّم هو الشرك لا ترك الشرك؟ قيل: موضع { أن } رفع، معناه هو أن لا تشركوا، وقيل: محله نصب واختلفوا في وجه انتصابه، قيل: معناه حرّم عليكم أن تشركوا، و " لا " صلة كقوله تعالى:مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ } [الأعراف: 12]، أي: منعك أن تسجد. وقيل: تمّ الكلام عند قوله: " حرم ربكم " ، ثم قال: عليكم أن لا تُشركوا به شيئاً، على وجه الإغراء. قال الزجاج: يجوز أن يكون هذا محمولاً على المعنى، أي: أتل عليكم تحريم الشرك، وجائز أن يكون على معنى: أوصيكم ألاّ تشركوا، به شيئاً. { وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلَـٰدَكُمْ مِّنْ إمْلَـٰقٍ } ، فقر، { نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ } ، أي: لا تئدوا بناتكم خشية العَيلة، فإني رازقكم وإيّاهم، { وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } ، ما ظهر يعني: العلانية، وما بطن يعني: السّر. وكان أهل الجاهلية يستقبحون الزنا في العلانية ولا يرون به بأساً في السرّ، فحرم الله تعالى الزنا في العلانية والسّر. وقال الضحاك: ما ظهر: الخمر وما بطن الزنا. { وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } ، حرّم الله تعالى قتل المؤمن والمعاهد إلا بالحق، إلاّ بما يبيح قتله من ردة أو قصاص أو زنا يوجب الرجم. أخبرنا أحمد بن عبدالله الصالحي ثنا أبو بكر أحمد بن الحسين الحيري ثنا حاجب بن أحمد الطوسي ثنا محمد بن حماد ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عبدالله بن مرّة عن مسروق عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يحلّ دمُ امرىء مسلم يشهد أنْ لا إله إلاّ الله وأني رسول الله إلاَّ بإحدَى ثلاث: الثيِّبُ الزاني، والنّفسُ بالنفس، والتاركُ لدينه المفارقُ للجماعة ". { ذَٰلِكُمْ } الذي ذكرت، { وَصَّـٰكُم بِهِ } ، أمركم به، { لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }.