الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ ٱلظَّٰلِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَىٰ أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ }

{ وَكَذٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ ٱلظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [قيل: أي] كما خذلنا عصاة الجنّ والإنس حتى استمتع بعضهم ببعض نولي بعض الظالمين بعضاً، أي: نسلّط بعض الظالمين على بعض، فنأخذ من الظالم بالظالم، كما جاء: " مَنْ أعان ظالماً سلّطه اللَّهُ عليه ". وقال قتادة: نجعل بعضهم أولياء بعض، فالمؤمن وليّ المؤمن [أين كان]، والكافر وليّ الكافر حيث كان. ورُوي معمر عن قتادة: يتبع بعضهم بعضاً في النار، من الموالاة. وقيل: معناه نولي ظلمة الإنس ظلمة الجن، ونولي ظلمة الجن ظلمة الإنس، أي: نكل بعضهم إلى بعض كقوله تعالى:نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ } [النساء: 115]، وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسيرها هو: أنّ الله تعالى إذا أراد بقوم خيراً ولّى أمرهم خيارهم، وإذا أراد بقوم شراً ولّى أمرهم شرارهم. قوله عزّ وجلّ: { يَـٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ } ، واختلفوا في الجن هلْ أُرسل إليهم منهم [رسول]؟ فسُئل الضحاك عنه، فقال: بلى ألم تسمع الله يقول { أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ } ، يعني: بذلك رسلاً من الإنس ورسلاً من الجن. قال الكلبي: كانت الرسل قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم يبعثون إلى الإنس والجنّ جميعاً. قال مجاهد: الرسل من الإنس والنُّذُر من الجن، ثم قرأ:وَلَّوْاْ إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ } [الأحقاف: 29]، وهم قوم يسمعون كلام الرسل فيبلغون الجن ما سمعوا، وليس للجن رسل، فعلى هذا قوله: " رسل منكم " ينصرف إلى أحد الصنفين وهم الإنس، كما قال:يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ } [الرحمن: 22]، وإنّما يخرج من الملح دون العذب، وقال:وَجَعَلَ ٱلْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً } [نوح: 16]، وإنّما هو في سماء واحدة. { يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ } ، أي: يقرؤون عليكم، { آيَـٰتِي } ، كتبي { وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا } ، وهو يوم القيامة، { قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَىٰ أَنْفُسِنَا } ، أنهم قد بلّغوا، قال مقاتل: وذلك حين شهدتْ عليهم جوارحهم بالشرك والكفر. قال الله عزّ وجلّ: { وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا } ، حتى لم يؤمنوا، { وَشَهِدُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَـٰفِرِينَ }.