الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَٰبِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ } * { وَإِذَا جَآءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ رُسُلُ ٱللَّهِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ }

قوله عزّ وجلّ: { وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَـٰبِرَ مُجْرِمِيهَا } أي: كما أن فسّاق مكة أكابرها، كذلك جعلنا فسّاق كل [قرية] أكابرها، أي: عظماءها، جمع أكبر، مثل أفضل وأفاضل، وأسود وأساود، وذلك سنّة الله تعالى أنه جعل في كل قرية أتباع الرسل ضعفاءهم، كما قال في قصة نوح عليه السلام:أَنُؤْمِنُ لَكَ وَٱتَّبَعَكَ ٱلأَرْذَلُونَ } [الشعراء: 111]، وجعل فسّاقهم أكابرهم، { لِيَمْكُرُواْ فِيهَا } ، وذلك أنهم أجلسوا على كل طريق من طرق مكة أربعة نفر ليصرفوا الناس عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، يقولون لكل من يقدم: إيّاك وهذا الرجل فإنه كاهن ساحر كذاب. { وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ } ، لأن وبال مكرهم يعود عليه. { وَمَا يَشْعُرُونَ } ، أنه كذلك. قوله تعالى: { وَإِذَا جَآءَتْهُمْ ءَايَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَآ أُوتِىَ رُسُلُ ٱللَّهِ } ، يعني: مثل ما أوتي رسل الله من النبوة، وذلك أن الوليد بن المغيرة قال: لو كانت النبوّة حقاً لكنتُ أولى بها منك، لأني أكبر منك سناً وأكثر منك مالاً، فأنزل الله تعالى هذه الآية. وقال مقاتل: نزلت في أبي جهل، وذلك أنه قال: زاحمنا بنو عبد مناف في الشرف حتى إذا صرنا كفرسي رهان، قالوا: منا نبيّ يُوحَى إليه، والله لا نؤمن به ولا نتّبعه أبداً إلاّ أن يأتينا وحي كما يأتيه، فأنزل الله عزّ وجلّ: { وَإِذَا جَآءَتْهُمْ ءَايَةٌ } ، حجّة على صدق محمد صلى الله عليه وسلم قالوا: يعني أبا جهل، { لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَآ أُوتِىَ رُسُلُ ٱللَّهِ } ، يعني: محمداً صلى الله عليه وسلم. ثم قال الله تعالى: { ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } ، قرأ ابن كثير وحفص رسالته على التوحيد، وقرأ الآخرون رسالاته بالجمع، يعني: الله أعلم بمن هو أحق بالرسالة. { سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ } ، ذُلٌّ وهَوَان، { عِندَ ٱللَّهِ } ، أي: من عند الله، { وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ } ، قيل: صَغَارٌ في الدنيا وعذاب شديد في الآخرة.