الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ ٱلْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } * { وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي ٱلأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } * { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ }

قوله عزّ وجلّ: { أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ } ، فيه إضمار أي: قلْ لهم يا محمد أفغيرَ الله، { أَبْتَغِى } ، أطلب { حَكَماً } ، قاضياً بيني وبينكم، وذلك أنهم كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: اجعل بيننا وبينك حَكَماً فأجابهم به، { وَهُوَ ٱلَّذِىۤ أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ ٱلْكِتَـٰبَ مُفَصَّلاً } ، مبيّناً فيه أمره ونهيه، يعني: القرآن، وقيل: مفصلاً أي خمساً خمساً وعشراً عشراً كما قال:لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ } [الفرقان: 32]، { وَٱلَّذِينَ ءَاتَيْنَـٰهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ } ، يعني: علماء اليهود والنصارى الذين آتيناهم التوراة والإنجيل، وقيل: هم مؤمنو أهل الكتاب، وقال عطاء: هم رؤوس أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والمراد بالكتاب هو القرآن، { يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنزَّلٌ } ، يعني: القرآن، قرأ ابن عامر [وحفص]: { منزل } ، بالتشديد من التنزيل لأنه أنزل نجوماً متفرقة، وقرأ الآخرون بالتخفيف من الإنزال لقوله تعالىٰ: " وهو الذي أنزل إليكم الكتاب " ، { مِّن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } ، من الشاكّين أنهم يعلمون ذلك. قوله عزّ وجلّ: { وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ } ، قرأ أهل الكوفة ويعقوب { كلمة } على التوحيد، وقرأ الآخرون كلمات بالجمع، وأراد بالكلمات أمره ونهيه ووعده ووعيده، { صِدْقاً وَعَدْلاً } ، أي: صدقاً في الوعد والوعيد، وعدلاً في الأمر والنهي، قال قتادة ومقاتل: صدقاً فيما وعد وعدلاً فيما حكم. { لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَـٰتِهِ } ، قال ابن عباس: لا رادّ لقضائه ولا مغيّر لحكمه ولا خُلْف لوعده، { وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } ، قيل: المراد بالكلمات القرآن لا مبدّل له، لا يزيد فيه المفترون ولا ينقصون. { وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِى ٱلأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } ، عن دين الله، وذلك أن أكثر أهل الأرض كانوا على الضلالة، وقيل: أراد أنهم جادلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين في أكل الميتة، وقالوا: أتأكلون ما تقتلون ولا تأكلون ما قتله الله عزّ وجلّ؟ فقال: { وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِى ٱلأَرْضِ } أي: وإن تطعهم في أكل الميتة يُضلّوكَ عن سبيل الله، { إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ } ، يريد أن دينهم الذي هم عليه ظنٌّ [وهوىً] لم يأخذوه عن بصيرة، { وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } ، يكذّبُون. { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ } ، قيل: موضع " من " نصب بنزع حرف الصفة، أي: بمن يضل، وقال الزجاج: موضعه رفع بالابتداء، ولفظها لفظ الاستفهام، المعنى: إنّ ربك هو أعلم أيُّ الناس من يضل عن سبيله، { وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } ، أخبر أنه أعلم بالفريقين الضالين والمعتدين فيجازي كلاً بما يستحقه.