الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَٰتِ وَٱلنُّورَ ثْمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ }

{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } ، قال كعب الأحبار: هذه الآية أول آية في التوراة، وآخر آية في التوراة، قوله:وَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا } [الإسراء: 111] الآية. قال ابن عباس رضي الله عنهما: افتتح الله الخلق بالحمد، فقال: { الحمد لله الذي خلقَ السمواتِ والأرض } ، وختمه بالحمد فقال: وقضي بينهم بالحق، أي: بين الخلائق،وَقِيلَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [الزمر: 75]. قوله: " الحمد لله " حمد الله نفسه تعليماً لعباده، أي: احمدوا الله الذي خلق السموات والأرض، خصّهما بالذكر لأنهما أعظم المخلوقات فيما يرى العباد، وفيهما العبر والمنافع للعباد، { وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَـٰتِ وَٱلنُّورَ } ، والجعل بمعنى الخلق، وقال الواقدي: كل ما في القرآن من الظلمات والنور فهو الكفر والإيمان، إلا في هذه الآية فإنه يريد بهما اللّيل والنهار. وقال الحسن: وجعل الظلمات والنور، يعني الكفر والإيمان، وقيل: أراد بالظلمات الجهل والنور العلم. وقال قتادة: يعني الجنّة والنار. وقيل: معناه خلق الله السموات والأرض، وقد جعل الظلمات والنور، لأنه خلق الظلمة والنور قبل السموات والأرض. قال قتادة: خلق الله السموات قبل الأرض، وخلق الظلمة قبل النور، والجنة قبل النار، ورُوي عن عبدالله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله تعالى خلق الخلق في ظلمة، ثم ألقى عليهم من نوره، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضلَّ ". { ثُمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } ، أي: ثم الذين كفروا بعد هذا البيان بربهم يعدلون، أي: يشركون، وأصله من مساواة الشيء بالشيء، ومنه العدل، أي: يعدلون بالله غير الله تعالى، يقال: عدلت هذا بهذا إذا ساويته، وبه قال النضر بن شميل: الباء بمعنى عن، أي: عن ربهم يعدلون، أي يميلون وينحرفون من العدول، قال الله تعالى عيناً يشرب بها عباد الله أي: منها. وقيل: تحت قوله: " ثم الذين كفروا بربهم يعدلون " معنى لطيف: وهو مثل قول القائل: أنعمت عليكم بكذا وتفضّلت عليكم بكذا، ثم تكفرون بنعمتي.