الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ ءَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ وَتَابَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } * { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ قَوْماً غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلاَ مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى ٱلْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } * { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { ٱتَّخَذْوۤاْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } * { لَّن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ } * { ٱسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ ٱلشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الخَاسِرُونَ } * { إِنَّ الَّذِينَ يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـٰئِكَ فِي ٱلأَذَلِّينَ } * { كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِيۤ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ }

{ ءَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُواْ } ، قال ابن عباس: أبخلتم؟ والمعنى: أخفتم العيلة والفاقة إن قدمتم، { بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَٰكُمْ صَدَقَـٰتٍ فَإِذ لَمْ تَفْعَلُوا } ، ما أُمرتم به، { وَتَابَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ }: تجاوز عنكم ولم يعاقبكم بترك الصدقة، وقيل: " الواو " صلة مجازه: فإن لم تفعلوا تاب الله عليكم ونسخ الصدقة. قال مقاتل بن حيان: كان ذلك عشر ليال ثم نسخ. وقال الكلبي: ما كانت إلا ساعة من نهار. { فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلوٰة } ، المفروضة، { وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰة } ، الواجبة، { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }. { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ قَوْماً غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم } ، نزلت في المنافقين تولوا اليهود وناصحوهم ونقلوا أسرار المؤمنين إليهم. وأراد بقوله: { غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم } اليهود، { مَّا هُم مِّنكُمْ وَلاَ مِنْهُمْ } ، يعني المنافقين ليسوا من المؤمنين في الدين والولاءة ولا من اليهود والكافرين، كما قال:مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذٰلِكَ لاَ إِلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ وَلاَ إِلَى هَـٰؤُلاۤءِ } [النساء: 143]. { وَيَحْلِفُونَ عَلَى ٱلْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُون } قال السدي ومقاتل: نزلت في عبد الله بن نبتل المنافق كان يجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يرفع حديثه إلى اليهود، " فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجرة من حُجَره إذ قال: يدخل عليكم الآن رجل قلبه قلب جبار وينظر بعيني شيطان فدخل عبد الله بن نبتل وكان أزرق العينين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " علام تشتمني أنت وأصحابك؟ " فحلف بالله ما فعل وجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما سبوه " ، فأنزل الله عزّ وجل هذه الآيات، فقال: { وَيَحْلِفُونَ عَلَى ٱلْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } أنهم كَذَبَة. { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * ٱتَّخَذْوۤاْ أَيْمَـٰنَهُم } ، الكاذبة، { جُنَّةً } ، يستجنون بها من القتل ويدفعون بها عن أنفسهم وأموالهم، { فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } ، صدوا المؤمنين عن جهادهم بالقتل وأخذ أموالهم، { فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ }. { لَّن تُغْنِىَ عَنْهُمْ } ، يوم القيامة، { أَمْوَٰلُهُمْ وَلاَ أَوْلَـٰدُهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ * يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهِ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ } ، كاذبين ما كانوا مشركين، { كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُم } ، في الدنيا، { وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَىْءٍ } من أيمانهم الكاذبة، { أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الكَاذِبُون }. { ٱسْتَحْوَذَ } ، غلب واستولى، { عَلَيْهِمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ فَأَنسَـٰهُمْ ذِكْرَ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَـٰنِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَـٰنِ هُمُ الخَـٰسِرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـٰئِكَ فِى ٱلأَذَلِّينَ } ، الأسفلين. أي: هم في جملة من يلحقهم الذل في الدنيا والآخرة. { كَتَبَ ٱللَّهُ } ، قضى الله قضاءاً ثابتاً، { لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِىۤ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عزيزٌ } ، نظيره قوله:وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُم المَنْصُورُون } [الصافات:71 - 72]، قال الزجاج: غلبة الرسل على نوعين من بعث منهم بالحرب فهو غالب بالحرب، ومن لم يؤمر بالحرب فهو غالب بالحجة.