الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي ٱلْمَجَالِسِ فَٱفْسَحُواْ يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَانشُزُواْ يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }

قوله عزَّ وجلّ: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِى ٱلْمَجَـٰلِسِ فَٱفْسَحُواْ } ، الآية قال مقاتل بن حيان: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار فجاء ناس منهم يوماً وقد سُبِقوا إلى المجلس فقاموا حيال النبي صلى الله عليه وسلم وسلموا عليه فردَّ عليهم ثم سلموا على القوم فردوا عليهم فقاموا على أرجلهم ينتظرون أن يوسع لهم، فلم يفسحوا لهم فشقَّ ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لمن حوله: قم يا فلان وأنت يا فلان فأقام من المجلس بقدر النفر الذين قاموا بين يديه من أهل بدر، فشق ذلك على من أقيم من مجلسه وعرف النبي صلى الله عليه وسلم الكراهية في وجوههم فأنزل الله هذه الآية. وقال الكلبي: نزلت في ثابت بن قيس بن شماس وقد ذكرنا في سورة الحجرات قصته. وقال قتادة: كانوا يتنافسون في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا إذا رأوا من جاءهم مقبلاً ضنوا بمجلسهم فأمرهم الله أن يفسح بعضهم لبعض. وقيل: كان ذلك يوم الجمعة فأنزل الله عزّ وجلّ: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ } أي توسعوا في المجلس، قرأ الحسن وعاصم: " في المجالس " لأن الكل جالس مجلساً معناه ليتفسحْ كل رجل في مجلسه. وقرأ الآخرون " في المجلس " على التوحيد، لأن المراد منه مجلس النبي صلى الله عليه وسلم { فافسحوا }: أوْسِعُوا، يقال: فسح يفسح فسحاً: إذا وسع في المجلس، { يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ } ، يوسع الله لكم الجنة، والمجالس فيها. أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال حدثنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يقيمن أحدكم الرجل من مجلسه ثم يخلفه فيه، ولكن تفسحوا وتوسعوا ". أخبرنا عبد الوهاب بن الخطيب أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أخبرنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال: قال سليمان بن موسى عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يقيمنّ أحدكم أخاه يوم الجمعة ولكن ليقل افسحوا ". وقال أبو العالية والقرظي والحسن: هذا في مجالس الحرب ومقاعد القتال، كان الرجل يأتي القوم في الصف فيقول توسعوا فيأبون عليه لحرصهم على القتال ورغبتهم في الشهادة { وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فانْشُزُوا } ، قرأ أهل المدينة والشام وعاصم بضم الشين، وقرأ الآخرون بكسرها، وهما لغتان أي ارتفعوا، قيل: ارتفعوا عن مواضعكم حتى توسعوا لإخوانكم.

السابقالتالي
2