الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَآئِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى ٱلْجَنَّتَيْنِ دَانٍ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } * { فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ }

{ مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ } جمع فراش، { بَطَآئِنُهَا } ، جمع بطانة وهي التي تحت الظِّهارة. وقال الزجاج: وهي مما يلي الأرض. { مِنْ إِسْتَبْرَقٍ } ، وهو ما غلظ من الديباج. قال ابن مسعود وأبو هريرة: هذه البطائن فما ظنكم بالظواهر؟ وقيل لسعيد بن جبير: البطائن من إستبرق، فما الظواهر؟ قال: هذا مما قال الله عزّ وجلّ:فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِىَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ } [السجدة:17]، وعنه أيضاً قال: بطائنها من إستبرق فظواهرها من نورٍ جامد. وقال ابن عباس: وصف البطائن وترك الظواهر لأنه ليس في الأرض أحد يعرف ما الظواهر. { وَجَنَى ٱلْجَنَّتَيْنِ دَانٍ } ، الجنى ما يجتنى من الثمار، يريد: ثمرهما دانٍ قريب يناله القائم والقاعد والنائم. قال ابن عباس: تدنو الشجرة حتى يجتنبها ولي الله، إن شاء قائماً وإن شاء قاعداً. قال قتادة: لا يردُّ أيديهم عنها بُعْدٌ ولا شوك. { فَبِأَىِّ ءَالاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }. { فِيهِنَّ قَـٰصِرَٰتُ ٱلطَّرْفِ } ، غاضَّات الأعين، قصرن طرفهن على أزواجهن لا ينظرن إلى غيرهم ولا يردن غيرهم. قال ابن زيد: تقول لزوجها وعزة ربي ما أرى في الجنة شيئاً أحسن منك، فالحمد لله الذي جعلك زوجي وجعلني زوجتك. { لَمْ يَطْمِثْهُنَّ } لم يجامعهن ولم يفترعهن، وأصله من الطمث، وهو الدم ومنه قيل للحائض: طامث، كأنه قال: لم تدمهن بالجماع، { إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ } ، قال الزجاج: فيه دليل على أن الجني يغشى كما يغشى الإنسي. قال مجاهد: إذا جامع الرجل ولم يسم انطوى الجان على إحليله فجامع معه. قال مقاتل في قوله: { لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ }: لأنهن خلقن في الجنة. فعلى قوله: هؤلاء من حور الجنة. وقال الشعبي: هن من نساء الدنيا لم يُمْسَسْن منذ أنشئن خَلْقاً، وهو قول الكلبي يعني: لم يجامعهن في هذا الخلق الذي أنشئن فيه إنس ولا جان. وقرأ طلحة مصرّف: " لم يطمُثهن " بضم الميم فيهما. وقرأ الكسائي إحداهما بالضم فإن كسر الأولى ضم الثانية وإن ضم الأولى كسر الثانية، لما روى أبو إسحاق السبيعي قال: كنت أصلي خلف أصحاب علي رضي الله عنه فأسمعهم يقرؤون " لم يطمثهن " بالرفع، وكنت أصلي خلف أصحاب عبد الله بن مسعود فأسمعهم يقرؤون بكسر الميم، وكان الكسائي يضم إحداهما ويكسر الأخرى لئلا يخرج عن هذين الأثرين.