الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّنَ ٱلأَنبَآءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ } * { حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ ٱلنُّذُرُ } * { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ ٱلدَّاعِ إِلَىٰ شَيْءٍ نُّكُرٍ } * { خُشَّعاً أَبْصَٰرُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ }

{ وَلَقَدْ جَآءَهُم } ، يعني: أهل مكة، { مِّنَ ٱلأَنبَآءِ } ، من أخبار الأمم المكذبة في القرآن، { مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ } ، [متناهي]، مصدر بمعنى الازدجار، أي: نهي وعظة، يقال: زجرته وازدجرته إذا نهيته عن السوء، وأصله: مزتجر، قُلبت التاء دالاً. { حِكْمَةٌ بَـٰلِغَةٌ } ، يعني: القرآن حكمة تامة قد بلغت الغاية { فَمَا تُغْنِـى ٱلنُّذُرُ } ، يجوز أن تكون " ما " نفياً، على معنى: فليست تغني النذر، ويجوز أن يكون استفهاماً، والمعنى: فأي شيء تغني النذر إذا خالفوهم وكذبوهم؟ كقوله:وَمَا تُغْنِى ٱلآيَـٰتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ } [يونس:101]، و " النذر ": جمع نذير. { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ } ، أعرض عنهم نسختها آية القتال. قيل: هاهنا وقف تام. وقيل: { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ ٱلدَّاعِ } ، أي: إلى يوم الداعي، قال مقاتل: هو إسرافيل ينفخ قائماً على صخرة بيت المقدس، { إِلَىٰ شَىْءٍ نُّكُرٍ } ، منكر فظيع لم يروا مثله فينكرونه استعظاماً، قرأ ابن كثير: " نُكْر " بسكون الكاف، والآخرون بضمها. { خُشَّعاً أَبْصَـٰرُهُمْ } ، قرأ أبو عمرو، ويعقوب، وحمزة، والكسائي: " خاشعاً " على الواحد، وقرأ الآخرون: " خشّعاً " - بضم الخاء وتشديد الشين - على الجمع. ويجوز في أسماء الفاعلين إذا تقدمت على الجماعة التوحيد والجمع والتذكير والتأنيث، تقول: مررتُ برجال حسنٍ أوجههم وحسنة أوجههم، وحسان أوجههم، قال الشاعر:
ورجالٍ حسَنٍ أوجُهُهُم   من إيادِ بنِ نزارِ بنِ مَعَد
وفي قراءة عبد الله: " خاشعة أبصارهم " ، أي: ذليلة خاضعة عند رؤية العذاب. { يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ } ، من القبور، { كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ } ، مُنْبَثّ حيارى، وذكَّر المنتشر على لفظ الجراد، نظيرها:كَٱلْفَرَاشِ ٱلْمَبْثُوثِ } [القارعة:4]، وأراد أنهم يخرجون فزعين لا جهة لأحد منهم يقصدها، كالجراد لا جهة لها، تكون مختلطة بعضها في بعض.