الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا } * { ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱهْتَدَىٰ } * { وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِٱلْحُسْنَى } * { ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ إِلاَّ ٱللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ ٱلْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلاَ تُزَكُّوۤاْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰ } * { أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي تَوَلَّىٰ } * { وَأَعْطَىٰ قَلِيلاً وَأَكْدَىٰ } * { أَعِندَهُ عِلْمُ ٱلْغَيْبِ فَهُوَ يَرَىٰ } * { أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ } * { وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ } * { أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ }

{ فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكْرِنَا } ، يعني القرآن. وقيل: الإيمان، { وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا }. ثم صغّر رأيهم فقال: { ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ } ، أي: ذلك نهاية علمهم وقدر عقولهم أن آثروا الدنيا على الآخرة. وقيل: لم يبلغوا من العلم إلاّ ظنهم أن الملائكة بنات الله، وأنها تشفع لهم، فاعتمدوا على ذلك وأعرضوا عن القرآن. { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱهْتَدَىٰ } ، أي: هو عالم بالفريقين فيجازيهم. { وَللهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلأَرْضِ } ، وهذا معترض بين الآية الأولى وبين قوله: { لِيَجْزِىَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ } ، فاللام في قوله: " ليجزي " متعلق بمعنى الآية الأولى، لأنه إذا كان أعلم بهم جازى كلاً بما يستحقه، الذين أساؤوا وأشركوا: بما عملوا من الشرك، { وَيِجْزِى ٱلَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِٱلْحُسْنَى } ، وحّدوا ربهم: " بالحسنى " بالجنة. وإنما يقدر على مجازاة المحسن والمسيء إذا كان كثير الملك، ولذلك قال: { وَللهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلأَرْضِ }. ثم وصفهم فقال: { ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبونَ كبَـٰئِرَ ٱلإِثمِ وَٱلْفَوَٰحِشَ إِلاَّ ٱللَّمَمَ } ، اختلفوا في معنى الآية، فقال قوم: هذا استثناء صحيح، واللّمم: من الكبائر والفواحش، ومعنى الآية: إلا أن يلم بالفاحشة مرة ثم يتوب، ويقع الوقعة ثم ينتهي وهو قول أبي هريرة ومجاهد والحسن، ورواية عطاء عن ابن عباس. قال عبد الله بن عمرو بن العاص: اللَّمم ما دون الشرك. وقال السدي قال أبو صالح: سئلت عن قول الله تعالى: { إِلاَّ ٱللَّمَمَ } ، فقلت: هو الرجل يلم بالذنب ثم لا يعاوده، فذكرت ذلك لابن عباس فقال: لقد أعانك عليهما ملك كريم. وروينا عن عطاء عن ابن عباس في قوله: { إِلاَّ ٱللَّمَمَ } ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنْ تغفرِ اللهمَّ تغفرْ جمّاً وأيّ عبد لك إلا ألمّا ". وأصل " اللمم والإلمام ": ما يعمله الإنسان الحينَ بعد الحين، ولا يكون إعادة، ولا إقامة. وقال آخرون: هذا استثناء منقطع، مجازه: لكن اللمم، ولم يجعلوا اللّمم من الكبائر والفواحش، ثم اختلفوا في معناه، فقال بعضهم: هو ما سلف في الجاهلية فلا يؤاخذهم الله به، وذلك أن المشركين قالوا للمسلمين: إنهم كانوا بالأمس يعملون معنا؟ فأنزل الله هذه الآية. وهذا قول زيد بن ثابت وزيد بن أسلم. وقال بعضهم: هو صغار الذنوب كالنظرة والغمزة والقبلة وما كان دون الزنا، وهو قول ابن مسعود، وأبي هريرة، ومسروق، والشعبي، ورواية طاووس عن ابن عباس. أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا محمود بن عيلان، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن ابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس قال: ما رأيتُ أشبه باللّمم مما قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2 3