الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلذَّارِيَاتِ ذَرْواً } * { فَٱلْحَامِلاَتِ وِقْراً } * { فَٱلْجَارِيَاتِ يُسْراً } * { فَٱلْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً } * { إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ } * { وَإِنَّ ٱلدِّينَ لَوَٱقِعٌ } * { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْحُبُكِ } * { إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ } * { يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ } * { قُتِلَ ٱلْخَرَّاصُونَ } * { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ } * { يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلدِّينِ } * { يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ } * { ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ }

{ وَٱلذَّٰرِيَـٰتِ ذَرْواً } ، يعني: الرياح التي تذرو التراب ذرواً، يقال: ذَرَت الريحُ الترابَ وأذرت. { فَٱلْحَـٰمِلَـٰتِ وِقْراً } ، يعني: السحاب تحمل ثقلاً من الماء. { فَٱلْجَـٰرِيَـٰتِ يُسْراً } ، هي السفن تجري في الماء جرياً سهلاً. { فَٱلْمُقَسِّمَـٰتِ أَمْراً } ، هي الملائكة يقسمون الأمور بين الخلق على ما أمروا به، أقسم بهذه الأشياء لما فيها من الدلالة على صنعه وقدرته. ثم ذكر المقسَمَ عليه فقال: { إِنَّمَا تُوعَدُونَ } ، من الثواب والعقاب، { لَصَـٰدِقٌ }. { وَإِنَّ ٱلدِّينَ } ، الحساب والجزاء، { لَوَاقِعٌ } ، لكائن. ثم ابتدأ قَسَماً آخر فقال: { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْحُبُكِ } ، قال ابن عباس وقتادة وعكرمة: ذات الخلق الحسن المستوي، يقال للنسَّاج إذا نسج الثوب فأجاد: ما أحسن حبكه! قال سعيد بن جبير: ذات الزينة. قال الحسن: حبكت بالنجوم. قال مجاهد: هي المتقنة البنيان. وقال مقاتل والكلبي والضحاك: ذات الطرائق كحبك الماء إذا ضربته الريح، وحبك الرمل والشعر الجعد، ولكنها لا ترى لبعدها من الناس، وهي جمع حباك وحبيكة، وجواب القسم قوله: { إِنَّكُمْ } ، أي: يا أهل مكة، { لَفِى قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ } ، في القرآن وفي محمد صلى الله عليه وسلم، تقولون في القرآن: سحر وكهانة وأساطير الأولين، وفي محمد صلى الله عليه وسلم: ساحر وشاعر ومجنون. وقيل: " لفي قول مختلف " أي: مُصدّق ومُكذّب. { يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ } ، يصرف عن الإِيمان به من صرف حتى يكذبه، يعني: من حرمه الله الإِيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن. وقيل " عن " بمعنى: من أجل، أي يصرف من أجل هذا القول المختلف أو بسببه عن الإِيمان من صرف. وذلك أنهم كانوا يتلقون الرجل إذا أراد الإِيمان فيقولون: إنه ساحر وكاهن ومجنون، فيصرفونه عن الإِيمان، وهذا معنى قول مجاهد. { قُتِلَ ٱلْخَرَٰصُونَ } ، لُعِن الكذابون، يقال: تخرَّص على فلان الباطل، وهم المقتسمون الذين اقتسموا عِقَاب مكة، واقتسموا القول في النبي صلى الله عليه وسلم ليصرفوا الناس عن دين الإِسلام. وقال مجاهد: هم الكهنة. { ٱلَّذِينَ هُمْ فِى غَمْرَةٍ } ، غفلة وعمىً وجهالة { سَـٰهُونَ } لاَهُون غافلون عن أمر الآخرة، والسهو: الغفلة عن الشيء، وهو ذهاب القلب عنه. { يَسْـئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلدِّينِ } ، يقولون: يا محمد متى يوم الجزاء، يعني: يوم القيامة تكذيباً واستهزاءً. قال الله عزّ وجلّ: { يَوْمَ هُمْ } ، أي يكون هذا الجزاء في يوم هم { عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ } ، أي: يعذَّبون ويحرقون بها كما يفتن الذهب بالنار. وقيل: " على " بمعنى الباء أي بالنار، وتقول لهم خزنة النار: { ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ } ، عذابكم، { هَـٰذَا ٱلَّذِى كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ } ، في الدنيا تكذيباً به.