الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ٱلْمُكْرَمِينَ } * { إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ } * { فَرَاغَ إِلَىٰ أَهْلِهِ فَجَآءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ } * { فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ } * { فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلِيمٍ } * { فَأَقْبَلَتِ ٱمْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ } * { قَالُواْ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْعَلِيمُ } * { قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُونَ } * { قَالُوۤاْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ } * { لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ } * { مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ } * { فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } * { وَتَرَكْنَا فِيهَآ آيَةً لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ }

قوله عزّ وجلّ: { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَٰهِيمَ } ، ذكرنا عددهم في سورة هود، { ٱلْمُكْرَمِينَ } ، [قيل: سماهم مكرمين] لأنهم كانوا ملائكة كراماً عند الله، وقد قال الله تعالى في وصفهم:بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ } [الأنبياء:26]، وقيل: لأنهم كانوا ضيف إبراهيم وكان إبراهيم أكرم الخليقة، وضيف الكرام مكرمون. وقيل: لأن إبراهيم عليه السلام أكرمهم بتعجيل قِراهم، والقيام بنفسه عليهم بطلاقة الوجه. وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد: خدمته إياهم بنفسه.وروي عن ابن عباس: سماهم مكرمين لأنهم جاؤوا غير مدعوين. وروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من كان يُؤمنُ بالله واليوم الآخر فليكرمْ ضيفَه ". { إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلَـٰماً قَالَ سَلَـٰمٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ } ، أي: غرباء لا نعرفكم، قال ابن عباس: قال في نفسه هؤلاء قوم لا نعرفهم. وقيل: إنما أنكر أمرهم لأنهم دخلوا عليه من غير استئذان. وقال أبو العالية: أنكر سلامهم في ذلك الزمان وفي تلك الأرض. { فَرَاغَ } ، فعدل ومال، { إِلَىٰ أَهْلِهِ فَجَآءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ } ، مشوي. { فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ } ، ليأكلوا فلم يأكلوا، { قَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ * فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَـٰمٍ عَلَيمٍ * فَأَقْبَلَتِ ٱمْرَأَتُهُ فِى صَرَّةٍ } ، أي: صيحة، قيل: لم يكن ذلك إقبالاً من مكان إلى مكان، وإنما هو كقول القائل: أقبل يشتمني، بمعنى أخذ في شتمي، أي أخذت تُوَلْوِلُ كما قال الله تعالى:قَالَتْ يَٰوَيْلَتَىٰ } [هود:72]، { فَصَكَّتْ وَجْهَهَا } ، قال ابن عباس: لطمت وجهها. وقال الآخرون: جمعت أصابعها فضربت جبينها تعجباً، كعادة النساء إذا أنكرن شيئاً، وأصل الصّكِّ: ضرب الشيء بالشيء العريض. { وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ } ، مجازه: أتلدُ عجوز عقيم؟ وكانت سارة لم تلد قبل ذلك. { قَالُواْ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ } ، أي كما قلنا لك قال ربك إنك ستلدين غلاماً، { إِنَّهُ هُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْعَلِيمُ }. { قَالَ } ، يعني: إبراهيم، { فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُونَ * قَالُوۤاْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ } ، يعني: قوم لوط. { لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ * مُّسَوَّمَةً } ، معلّمة، { عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ } ، قال ابن عباس: للمشركين، والشرك أسرف الذنوب وأعظمها. { فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا } ، أي: في قرى قوم لوط، { مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ، وذلك قوله:فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلَّيْلِ } [هود:81]. { فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ } ، أي غير أهل بيت، { مِّنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } ، يعني لوطاً وابنتيه، وصفهم الله تعالى بالإِيمان والإِسلام جميعاً لأنه ما من مؤمن إلا وهو مسلم. { وَتَرَكْنَا فِيهَآ } ، أي في مدينة قوم لوط، { ءَايَةً } ، عبرة، { لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } ، أي: علامة للخائفين تدلهم على أن الله تعالى أهلكهم فيخافون مثل عذابهم.