الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّنْ خَشِيَ ٱلرَّحْمَـٰنَ بِٱلْغَيْبِ وَجَآءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ } * { ٱدْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلُخُلُودِ } * { لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } * { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً فَنَقَّبُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ } * { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } * { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ } * { فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ } * { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ ٱلسُّجُودِ }

{ مَّنْ خَشِىَ ٱلرَّحْمَـٰنَ بِٱلْغَيْبِ } ، محل " مَنْ " جر على نعت الأوّاب. ومعنى الآية: من خاف الرحمن وأطاعه بالغيب ولم يره. وقال الضحاك والسدي: يعني في الخلوة حيث لا يراه أحد. قال الحسن: إذا أرخى الستر وأغلق الباب. { وَجَآءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ } ، مخلص مقبل إلى طاعة الله. { ادْخُلُوهَا } ، أي: يُقال لأهل هذه الصفة: ادخلوها، أي: ادخلوا الجنة. { بِسَلَـٰمٍ } ، بسلامة من العذاب والهموم. وقيل: بسلام من الله وملائكته عليهم. وقيل: بسلامة من زوال النعم، { ذَٰلِكَ يَوْمُ ٱلُخُلُودِ }. { لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا } ، وذلك أنهم يسألون الله تعالى حتى تنتهي مسألتهم فيعطَوْن ما شاؤوا، ثم يزيدهم الله من عنده ما لم يسألوه، وهو قوله: { وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } ، يعني الزيادة لهم في النعيم ما لم يخطر ببالهم. وقال جابر وأنس هو النظر إلى وجه الله الكريم. قوله عزّ وجلّ: { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً فَنَقَّبُواْ فِى ٱلْبِلَـٰدِ } ، ضربوا وساروا وتقلبوا وطافوا، وأصله من النقب، وهو الطريق كأنهم سلكوا كل طريق، { هَلْ مِن مَّحِيصٍ } ، فلم يجدوا محيصاً من أمر الله. وقيل: " هل من محيص " مفرّ من الموت؟ فلم يجدوا منه مفرّاً، وهذا إنذار لأهل مكة وأنهم على مثل سبيلهم لا يجدون مفراً عن الموت يموتون، فيصيرون إلى عذاب الله. { إِنَّ فِى ذَٰلِكَ } ، فيما ذكرت من العبر والعذاب وإهلاك القرى، { لَذِكْرَىٰ } ، تذكرة وعظة، { لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ } ، قال ابن عباس: أي عقل. قال الفرَّاء: هذا جائز في العربية، تقول: مالكَ قلب، وما قلبك معك، أي ما عقلك معك. وقيل: له قلب حاضر مع الله. { أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ } ، استمع القرآن، واستمع ما يقال له، لا يحدث نفسه بغيره، تقول العرب: ألقِ إليَّ سمعكَ، أي استمعْ، { وَهُوَ شَهِيدٌ } ، أي حاضر القلب ليس بغافل ولا ساه. قوله عزّ وجلّ: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ } ، إعياء وتعب. نزلت في اليهود حيث قالوا يا محمد أخبرنا بما خلق الله من الخلق في هذه الأيام الستة، فقال: " خلق الله الأرض يوم الأحد والاثنين، والجبال يوم الثلاثاء، والمدائن والأنهار والأقوات يوم الأربعاء، والسموات والملائكة يوم الخميس إلى ثلاث ساعات من يوم الجمعة، وخلق في أول الثلاث الساعات الآجال، وفي الثانية الآفة، وفي الثالثة آدم " قالوا: صدقتَ إن أتممت، قال: وما ذاك؟ قالوا: ثم استراح يوم السبت، واستلقى على العرش، فأنزل الله تعالى هذه الآية ردّاً عليهم. { فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ } ، من كذبهم فإن الله لهم بالمرصاد، وهذا قبل الأمر بقتالهم، { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ } ، أي: صلِّ حمداً لله، { قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ } ، يعني: صلاة الصبح، { وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ } ، يعني: صلاة العصر.

السابقالتالي
2 3