الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ ٱلرَّسِّ وَثَمُودُ } * { وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ } * { وَأَصْحَابُ ٱلأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُّبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ } * { أَفَعَيِينَا بِٱلْخَلْقِ ٱلأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ } * { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ } * { إِذْ يَتَلَقَّى ٱلْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٌ }

قوله عزّ وجلّ: { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَـٰبُ ٱلرَّسِّ وَثَمُودُ * وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَٰنُ لُوطٍ * وَأَصْحَـٰبُ ٱلأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُّبَّعٍ } ، وهو تُبَّع الحميري، واسمه أسعد أبو كرب، قال قتادة: ذم الله تعالى قوم تبع ولم يذمه، ذكرنا قصته في سورة الدخان. { كُلٌّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ } ، أي: كل من هؤلاء المذكورين كذب الرسل، { فَحَقَّ وَعِيدِ } ، وجب لهم عذابي. ثم أنزل جواباً لقولهم " ذلك رجع بعيد ". { أَفَعَيِينَا بِٱلْخَلْقِ ٱلأَوَّلِ } ، يعني: أعجزنا حين خلقناهم أولاً فنعيا بالإِعادة. وهذا تقرير لهم لأنهم اعترفوا بالخلق الأول وأنكروا البعث، ويقال لكل من عجز عن شيء: عيي به. { بَلْ هُمْ فِى لَبْسٍ } ، أي في شكٍ، { مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ } ، وهو البعث. { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَـٰنَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ } ، يحدث به قلبه ولا يخفى علينا سرائره وضمائره، { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ } ، أعلم به، { مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ } ، لأن أبعاضه وأجزاءه يحجب بعضها بعضاً، ولا يحجب علمَ الله شيءٌ و " حبل الوريد ": عرق العنق، وهو عرق بين الحلقوم والعلباوين، يتفرق في البدن، والحبل هو الوريد، فأضيف إلى نفسه لاختلاف اللفظين. { إِذْ يَتَلَقَّى ٱلْمُتَلَقِّيَانِ } ، أي: يتلقى ويأخذ الملكان الموكلان بالإِنسان عمله ومنطقه يحفظانه ويكتبانه، { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ } ، أي أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله، فالذي عن اليمين يكتب الحسنات، والذي عن الشمال يكتب السيئات. { قَعِيدٌ } ، أي: قاعد، ولم يقل قعيدان، لأنه أراد: عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد، فاكتفى بأحدهما عن الآخر، هذا قول أهل البصرة، وقال أهل الكوفة: أراد: قعوداً، كالرسول فجعل للاثنين والجمع، كما قال الله تعالى في الاثنين:فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } [الشعراء:16]، وقيل: أراد بالعقيد الملازم الذي لا يبرح، لا القاعد الذي هو ضد القائم. وقال مجاهد: القعيد الرصيد.