الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ ٱلْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذٰلِكَ صِيَاماً لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا ٱللَّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ ٱللَّهُ مِنْهُ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ }

قوله عزّ وجلّ: { يَـٰۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ } ، أي: محرمون بالحج والعمرة، وهو جمع حرام، يقال: رجل حرام وامرأة حرام، وقد يكون [من] دخول الحرم، يقال: أحرم الرجل إذا عقد الإحرام، وأحرم إذا دخل الحرم. نزلت في رجل يقال له أبو اليَسَر شدَّ على حمار وحشٍ وهو محرم فقتله. قوله تعالى: { وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً } ، اختلفوا في هذا العمد، فقال قوم: هو العمد بقتل الصيد مع نسيان الإحرام، أما إذا قتله عمداً وهو ذاكر لإحرامه فلا حكم عليه، وأمره إلى الله لأنه أعظم من أن يكون له كفارة، هذا قول مجاهد والحسن. وقال آخرون: هو أن يعمد المحرم قتل الصيد ذاكراً لإحرامه فعليه الكفارة. واختلفوا فيما لو قتله خطأ، فذهب أكثر الفقهاء إلى أن العمد والخطأ سواء في لزوم الكفارة، وقال الزهري: على المتعمد بالكتاب وعلى المخطىء بالسنة، وقال سعيد بن [جبير]: لا تجب كفارة الصيد بقتل الخطأ، بل يختص بالعمد. قوله عزّ وجلّ: { فَجَزَآءٌ مِّثْلُ } ، قرأ أهل الكوفة ويعقوب { فَجزآءٌ } منونٌ، { مثلُ } ، رفعٌ على البدل من الجزاء، والآخرون بالإضافة { فجزاء مثل } ، { مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ } ، معناه: أنه يجب عليه مثل ذلك الصيد من النَّعم، وأراد به ما يقرب من الصيد المقتول شبهاً من حيث الخلقة لا من حيث القيمة. { يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ } ، أي: يحكم بالجزاء رجلان عدلان، وينبغي أن يكونا فقيهين ينظران إلى أشبه الأشياء من النَّعم فيحكمان به، وممن ذهب إلى إيجاب المثل من النَّعم عمر وعثمان وعلي وعبدالرحمن بن عوف وابن عمر وابن عباس، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم، حكموا في بلدان مختلفة وأزمان شتّى بالمثل من النَّعم، يحكم حاكم في النعامة ببدنة وهي لا تساوي بدنة، وفي حمار الوحش ببقرة [وهي لا تساوي بقرة]، وفي الضبع بكبش وهي لا تساوي كبشاً، فدلّ أنهم نظروا إلى ما يقرب من الصيد شبهاً من حيث الخلقة [لا من حيث القيمة]، وتجب في الحمام شاة، وهو كل ما عبّ وهدر من الطير، كالفاختة والقمري. ورُوي عن عمر وعثمان ابن عباس رضي الله عنهم أنهم قضوا في حمام مكة بشاة، أخبرنا أبو الحسن السرخسي أخبرنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن أبي الزبير المكي عن جابر بن عبدالله أنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه قضى في الضبع بكبش، وفي الغزال بعنز، وفي الأرنب بعناق، وفي اليربوع بجفرة. قوله تعالى: { هَدْياً بَـٰلِغَ ٱلْكَعْبَةِ } ، أي: يُهدي تلك الكفارة إلى الكعبة، فيذبحها بمكة ويتصدّق بلحمها على مساكين الحرم، { أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَـٰكِينَ أَوْ عَدْلُ ذٰلِكَ صِيَاماً } ، قال الفرَّاء رحمه الله: العِدْل بالكسر: المثل من جنسه، والعَدْل بالفتح: المثل من غير جنسه، وأراد به: أنه في جزاء الصيدِ مخيّر بين أن يذبح المثل من النّعم، فيتصدق بلحمه على مساكين الحرم، وبين أن يقوّم المثل دراهم، والدراهم طعاماً فيتصدق بالطعام على مساكين الحرم، أو يصوم عن كل مَدٍّ من الطعام يوماً وله أن يصوم حيث شاء لأنه لا نفع فيه للمساكين.

السابقالتالي
2 3