الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ لَيْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوۤاْ إِذَا مَا ٱتَّقَواْ وَآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ ٱللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِٱلْغَيْبِ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

قوله عزّ وجلّ: { لَيْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوۤاْ } ، سبب نزول هذه الآية أنّ الصحابة رضوان الله عليهم قالوا لمّا نزل تحريم الخمر: يا رسول الله كيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر [ويأكلون] من مال الميسر؟ فأنزل الله تعالى: { لَيْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوۤاْ } ، وشَرِبُوا من الخمر وأكلوا من مال الميسر، { إِذَا مَا ٱتَّقَواْ } ، الشركَ، { وَءامَنُواْ } ، وصدّقوا، { وَعَمِلُواْ الصَّـٰلِحَـٰتِ ثُمَّ اتَّقَواْ } ، الخمر والميسرَ بعد تحريمهما، { وَءَامَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ } ، ما حرّم الله عليهم أكله وشربه، { وأَحْسَنُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } ، وقيل: معنى الأول إذا ما اتّقوا الشرك، وآمنوا وصدقوا ثمّ اتّقوا، أي: داومُوا على ذلك التقوى، { وآمنوا } وازْدادوا إيماناً، ثم اتقوا المعاصي كلها وأحسنوا، وقيل: أي: اتقوا بالإحسان، وكلُّ محسن متقٍ، { وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ }. قوله عزّ وجلّ: { يَـٰۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ ٱللَّهُ بِشَىْءٍ مِّنَ ٱلصَّيْدِ } الآية، نزلت عام الحديبية وكانوا محرمين ابتلاهم الله بالصيد، وكانت الوحوش تغشى رحالهم من كثرتها فهمّوا بأخذها فنزلت: { يَـٰۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ ٱللَّهُ } ليختبرنّكم الله، وفائدة البلوى إظهار المطيع من العاصي، وإلا فلا حاجة له إلى البلوى بشيء من الصيد، وإنما بعض، فقال { بِشَىْءٍ } لأنه ابتلاهم بصيد البرِّ خاصةً. { تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ } ، يعني: الفرخ والبيض وما لا يقدر أن يفرّ من صغار الصيد، { وَرِمَـٰحُكُمْ } ، يعني: الكبار من الصيد، { لِيَعْلَمَ ٱللَّهُ } ، ليرى الله، لأنه قد علمه، { مَن يَخَافُهُ بِٱلْغَيْبِ } ، أي: يخاف الله ولم يره كقوله تعالىٰ:ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِٱلْغَيْبِ } [الأنبياء: 49]، أي: يخافه فلا يصطاد في حال الإحرام، { فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ } ، أي: صاد بعد تحريمه، { فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ، رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال [يوجع] ظهره وبطنه جلداً، ويُسلب ثيابه.