الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَٱحْفَظُوۤاْ أَيْمَانَكُمْ كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

قوله عزّ وجلّ: { لاَ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغْوِ فِىۤ أَيْمَـٰنِكُمْ } ، قال ابن عباس رضي الله عنهما: لما نزلت: لا تُحرّموا طيباتِ ما أحلّ الله لكم، قالوا: يا رسول الله كيف نصنع بأيماننا التي حلفنا عليها؟ وكانوا حلفوا على ما اتفقوا عليه، فأنزل الله: { لاَ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغْوِ فِىۤ أَيْمَـٰنِكُمْ } ، { وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلأَيْمَانَ } قرأ حمزة والكسائي [وأبو بكر] عقدتم بالتخفيف، وقرأ ابن عامر عاقدت بالألف وقرأ الآخرون عقّدتم بالتشديد، أي: وكّدتم، والمراد من الآية قصدتم وتعمّدتم، فكفارته، أي: كفارة ما عقدتم الأيمان إذا حنثتم، { إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَـٰكِينَ } ، واختلفوا في قدره: فذهب قوم إلى أنه يُطعم كل مسكين مُدّاً من الطعام بمدّ النبيّ صلى الله عليه وسلم، وهو رطل وثلث من غالب قوت البلد، وكذلك في جميع الكفارات، وهو قول زيد بن ثابت وابن عباس وابن عمر، وبه قال سعيد بن المسيب والقاسم وسليمان بن يسار وعطاء والحسن. وقال أهل العراق: عليه لكل مسكين مُدّانِ، وهو نصف صاع، يروى ذلك عن عمر وعليّ رضي الله عنهما. وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: إن أطعم من الحنطة فنصف صاع، وإن أطعم من غيرها فصاع، وهو قول الشعبي والنخعي وسعيد بن جبير ومجاهد والحَكم. ولو غدّاهم وعشاهم لا يجوز، وجوّز أبو حنيفة، ويُروى ذلك عن عليّ رضي الله عنه. ولا تجوز الدراهم والدنانير ولا الخبز ولا الدقيق، بل يجب إخراج الحبِّ إليهم، وجوّز أبو حنيفة رضي الله عنه كل ذلك. ولو صرف الكل إلى مسكين واحد [لا يجوز]، وجوّز أبو حنيفة أن يصرف طعام عشرة إلى مسكين واحد في عشرة أيام، ولا يجوز أن يصرف إلاّ إلى مسلم حرٍ محتاج، فإن صرف إلى ذمي أو عبد أو غني لا يجوز، وجوّز أبو حنيفة صرفها إلى أهل الذمة. واتّفقوا على أنّ صرف الزكاة إلى أهل الذمة لا يجوز. قوله تعالى: { مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } ، أي: من خير قوت عيالكم، وقال عبيدة السلماني: الأوسط الخبز والخل، والأعلى الخبز واللحم، والأدنى الخبز البحت والكل [يجزيء]. قوله تعالى: { أَوْ كِسْوَتُهُمْ } ، كلّ من لزمته كفارة اليمين فهو فيها إن شاء أطعم عشرة من المساكين، وإنْ شاء كساهم، وإن شاء أعتق رقبة، فإن اختار الكسوة، فاختلفوا في قدرها. فذهب قوم إلى أنه يكسو كلّ مسكين ثوباً واحداً مما يقع عليه اسم الكسوة، إزار أو رِدَاء أو قميص أو سراويل أو عمامة أو كِسَاء أو نحوها، وهو قول ابن عباس والحسن ومجاهد وعطاء وطاوس، وإليه ذهب الشافعي رحمه الله تعالى. وقال مالك: يجب لكل إنسان ما تجوز فيه صلاته، فيكسو الرجال ثوباً واحداً والنساء ثوبين درعاً وخماراً.

السابقالتالي
2 3