الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَثَابَهُمُ ٱللَّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذٰلِكَ جَزَآءُ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَآ أُوْلَـۤئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلْجَحِيمِ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } * { وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَـٰلاً طَيِّباً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ }

{ فَأَثَابَهُمُ ٱللَّهُ } ، أعطاهم الله، { بِمَا قَالُواْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا } ، وإنّما أنجح قولهم وعلق الثواب بالقول لاقترانه بالإخلاص، بدليل قوله: { وَذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلْمُحْسِنِينَ } ، يعني: الموحدين المؤمنين، وقوله من قبل: { تَرَىۤ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ ٱلْحَقِّ } ، يدل على أن الإخلاص والمعرفة بالقلب مع القول يكون إيماناً. { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـايَـٰتِنَآ أُوْلَـٰۤئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلْجَحِيمِ }. قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَـٰتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ } ، الآية قال أهل التفسير: " ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الناس يوماً ووصف القيامة فرقَّ له الناس وبكوا، فاجتمع عشرة من أصحابه في بيت عثمان بن مظعون الجمحي، وهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وعبدالله بن مسعود وعبدالله بن عمر، وأبو ذر الغفاري، وسالم مولى أبي حذيفة، والمقداد بن الأسود، وسلمان الفارسي، ومعقل بن مقرِّن رضي الله عنهم، وتشاوروا واتفقوا على أن يترهبوا ويلبسوا المسوح ويجبُّوا مذاكيرهم، ويصوموا الدهر، ويقوموا الليل ولا يناموا على الفرش، ولا يأكلوا اللحم والودك، ولا يقربوا النساء والطيب، ويسيحوا في الأرض، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى دار عثمان بن مظعون فلم يصادفه فقال لامرأته أم حكيم بنت أبي أمية، واسمها الخولاء، وكانت عطارة: أحقُّ ما بلغني عن زوجك وأصحابه؟ فكرهت أن تكذب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكرهت أن تبدي على زوجها، فقالت: يا رسول الله إن كان أخبرك عثمان فقد صدقك. فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما دخل عثمان أخبرته بذلك فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألم أنبأ أنكم اتفقتم على كذا وكذا؟ قالوا: بلى يا رسول الله، وما أردنا إلا الخير، فقال:إني لم أؤمر بذلك، ثم قال: إن لأنفسكم عليكم حقاً فصوموا وأفطروا وقوموا وناموا، فإني أقوم وأنام وأصوم وأفطر، وآكل اللحم والدسم وآتي النساء، فمن رغب عن سنّتي فليس مني، ثم جمع الناس وخطبهم فقال: ما بال أقوام حرّموا النساء والطعام والطيب والنوم وشهوات الدنيا [النساء]؟ أما إني فلستُ آمركم أن تكونوا قسيسين ورهباناً فإنه ليس في ديني ترك اللحم والنساء، ولا اتخاذ الصوامع، وإن سياحة أمتي الصوم ورهبانيتهم الجهاد، اعبدو الله ولا تشركوا به شيئاً، وحجّوا واعتمروا وأقيموا الصلاة وآتُوا الزكاة، وصوموا رمضان واستقيموا يُستقمْ لكم، فإنّما هلك من كان قبلكم بالتشديد، شدّدوا على أنفسهم فشدّد الله عليهم، فأولئك بقاياهم في الديارات والصوامع، " فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية. أخبرنا أبو بكر محمد بن عبدالله بن أبي توبة الكشميهني أنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث أنا أبو الحسن محمد بن يعقوب الكسائي أنا عبدالله بن محمود أنا إبراهيم بن عبدالله الخلال أنا عبدالله بن المبارك عن رشْدين بن سعد حدثني ابن أنْعُم عن سعد بن مسعود.

السابقالتالي
2