الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ تَرَىٰ كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي ٱلْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ } * { وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَآءَ وَلَـٰكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } * { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّا نَصَارَىٰ ذٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ }

قوله تعالى: { تَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ } ، قيل: من اليهود كعب بن الأشرف وأصحابه، { يَتَوَلَّوْنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } ، مشركي مكة حين خرجوا إليهم يجيشون على النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقال ابن عباس ومجاهد والحسن: منهم يعني المنافقين يتولّون اليهود، { لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ } ، بئس ما قدّموا من العمل لمعادهم في الآخرة، { أَن سَخِطَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ } ، غضب الله عليهم، { وَفِى ٱلْعَذَابِ هُمْ خَـٰلِدُونَ }. { وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالْلهِ والنَّبِىِّ } محمد صلى الله عليه وسلم، { وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِ } ، يعني: القرآن، { مَا اتَّخَذُوهُمْ } ، يعني: الكفار، { أَوْلِيَآءَ وَلَـٰكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَـٰسِقُونَ } ، أي: خارجون عن أمر الله سبحانه وتعالى. قوله عزّ وجلّ: { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ } ، يعني: مشركي العرب، { وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّا نَصَارَىٰ } ، لم يرد به جميع النصارى لأنهم في عداوتهم المسلمين كاليهود في قتلهم المسلمين، وأسرهم وتخريب بلادهم وهدم مساجدهم وإحراق مصاحفهم، لا ولاء، ولا كرامة لهم، بل الآية فيمن أسلم منهم مثل النجاشي وأصحابه. [وقيل: نزلت في جميع اليهود وجميع النصارى، لأن اليهود أقسى قلباً والنصارى ألين قلباً منهم، وكانوا أقل مظاهرة للمشركين من اليهود.] قال أهل التفسير: " ائتمرت قريش أن يفتنوا المؤمنين عن دينهم، فوثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين يُؤذونهم ويعذبونهم، فافتتن من افتتن، وعصم الله منهم من شاء، ومنع الله تعالى رسوله بعمّه أبي طالب، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بأصحابه ولم يقدر على منعهم ولم يُؤمرْ بعدُ بالجهاد أمرهم بالخروج إلى أرض الحبشة، وقال: «إنّ بها ملكاً صالحاً لا يظلم ولا يُظلم عنده أحد، فاخْرُجُوا إليه حتى يجعل الله للمسلمين فرجاً» ". وأراد به النجاشي واسمه أصحمة وهو بالحبشة عطية، وإنما النجاشي اسم الملك ـ كقولهم قيصر وكسرى ـ فخرج إليها سراً أحد عشر رجلاً وأربع نسوة، وهم عثمان بن عفان وامرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، والزبير بن العوام وعبدالله بن مسعود، [وعبد الرحمن بن عوف] وأبو حذيفة بن عتبة وامرأته سهلة بنت سهيل بن عمرو، ومصعب بن عمير وأبو سلمة بن عبدالأسد وامرأته أم سلمة بنت أبي أمية، وعثمان بن مظعون وعامر بن ربيعة وامرأته ليلى بنت أبي [حثمة]، وحاطب بن عمرو و[سهل] بن بيضاء رضي الله عنهم، فخرجوا إلى البحر وآجروا سفينة إلى أرض الحبشة بنصف دينار وذلك في رجب في السنة الخامسة من مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه الهجرة الأولى ثم خرج جعفر بن أبي طالب، وتتابع المسلمون إليها، فكان جميع من هاجر إلى الحبشة من المسلمين اثنين وثمانين رجلاً سوى النساء والصبيان.

السابقالتالي
2 3