الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأَدْخَلْنَٰهُمْ جَنَّٰتِ ٱلنَّعِيمِ } * { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِمْ مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَآءَ مَا يَعْمَلُونَ } * { يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ }

{ وَلَوْ أنّ أَهْلَ الكِتَابِ آمَنُوا } ، بمحمد صلى الله عليه وسلم، { وَٱتَّقُواْ } ، الكفرَ، { لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَـٰتِهِمْ وَلأَدْخَلْنَـٰهُمْ جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِيمِ }. { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنجِيلَ } ، يعني: أقاموا أحكامهما وحدودهما وعملوا بما فيهما، { وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ } ، يعني: القرآن، وقيل: كتب أنبياء بني إسرائيل، { لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم } ، قيل: من فوقهم هو المطر، ومن تحت أرجلهم نبات الأرض. قال ابن عباس رضي الله عنهما: لأنزلتُ عليهم القطر وأخرجتُ لهم من نبات الأرض. وقال الفراء: أراد به التوسعة في الرزق كما يقال: فلان في الخير من قرنه إلى قدمه، ونظيره قوله تعالى:وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـٰتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } [الأعراف: 96]. { مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ } ، يعني: مؤمني أهل الكتاب، عبدالله بن سلام وأصحابه، مقتصدة أي عادلة غير غالية، ولا مقصرة جافية. ومعنى الاقتصاد في اللغة: الاعتدال في العمل من غير غلوّ ولا تقصير. { وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ } ، كعب بن الأشرف وأصحابه، { سَآءَ مَا يَعْمَلُونَ } ، بئس شيئاً عملهم، قال ابن عباس رضي الله عنهما: عملوا القبيح مع التكذيب بالنبيّ صلى الله عليه وسلم. قوله عزّ وجلّ: { يَـٰۤأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } ، رُوي عن مسروق قال: قالت عائشة رضي الله عنها: من حدثك أن محمداً صلى الله عليه وسلم كتم شيئاً مما أنزل الله فقد كذب، وهو يقول: { يَـٰۤأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } الآية. روى الحسن: أنّ الله تعالى لما بعث رسوله ضاق ذرعاً وعرف أنّ من الناس من يكذبه، فنزلت هذه الآية. وقيل: نزلت في عيب اليهود، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم دعاهم إلى الإسلام، فقالوا: أسلمنا قبلك وجعلوا يستهزؤون به، فيقولون له: تريد أن نتخذك حناناً كما اتّخذت النصارى عيسى ابن مريم حناناً، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك سكت فنزلت هذه الآية، وأمره أن يقول لهم: " يا أهل الكتاب لستْم على شيء " الآية. وقيل: بلّغ ما أُنزل إليك من الرجم والقصاص، نزلتْ في قصة اليهود. وقيل: نزلت في أمر زينب بنت جحش ونكاحها. وقيل: في الجهاد، وذلك أن المنافقين كرهوه كما قال الله تعالى:فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا ٱلْقِتَالُ رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ ٱلْمَغْشِىِّ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ } [محمد: 20]، وكرهه بعض المؤمنين قال الله تعالى:أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوۤاْ أَيْدِيَكُمْ } [النساء: 77] الآية. فكان النبي صلى الله عليه وسلم يمسك في بعض الأحايين عن الحث على الجهادِ لما يعلم من كراهة بعضهم، فأنزل الله هذه الآية. قوله تعالى: { وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ } قرأ أهل المدينة " رسالاته " على الجمع والباقون رسالته على التوحيد.