الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ ٱلْقِرَدَةَ وَٱلْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ ٱلطَّاغُوتَ أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ } * { وَإِذَا جَآءُوكُمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا وَقَدْ دَّخَلُواْ بِٱلْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ } * { وَتَرَىٰ كَثِيراً مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ ٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ ٱلإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ }

ثم قال: { قُلْ } يا محمد، { هَلْ أُنَبِّئُكُمْ } ، أخبركم، { بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكَ } ، الذي ذكرتم، يعني: قولهم لم نرَ أهل دين أقل حظاً في الدنيا والآخرة منكم ولا ديناً شراً من دينكم، فذكر الجواب بلفظ الابتداء، وإن لم يكن الابتداء شراً لقوله تعالى:أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكُمُ ٱلنَّارُ } [الحج: 72]، { مَثُوبَةً } ثواباً وجزاءً، نُصب على التفسير، { عِندَ ٱللَّهِ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ } ، أي: هو من لعنه الله، { وَغَضِبَ عَلَيْهِ } ، يعني: اليهود، { وَجَعَلَ مِنْهُمُ ٱلْقِرَدَةَ وَٱلْخَنَازِيرَ } ، فالقردة أصحاب السبت، والخنازير كفار مائدة عيسى عليه السلام. ورُوي عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن الممسوخين كلاهما من أصحاب السبت فشُبَّانُهم مُسخوا قردة ومشايخهم مسخوا خنازير. { وَعَبَدَ ٱلطَّـٰغُوتَ } ، أي: جعل منهم من عبد الطاغوت، أي: أطاع الشيطان فيما سوّل له، وتصديقها، قراءة ابن مسعود: ومن عبدوا الطاغوت، وقرأ حمزة: وعبُد بضم الباء، " الطاغوت " بجر التاء، أراد العبد وهما لغتان عبْد بجزم الباء وعبُد بضم الباء، مثل سبْع وسبُع، وقيل: جمع العباد، وقرأ الحسن: وعبد الطاغوت على الواحد، { أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ } ، أي: عن طريق الحق. { وَإِذَا جَآءُوكُمْ قَالُوۤاْ } ، يعني: هؤلاء المنافقين، وقيل: هم الذين قالوا: " آمنوا بالذي أُنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره " ، دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: آمنا بك وصدقناك فيما قلت، وهم يُسرُّون الكفرَ، { وَقَدْ دَّخَلُواْ بِٱلْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ } ، يعني: دخلوا كافرين وخرجوا كافرين، { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ }. { وَتَرَىٰ كَثِيراً مِّنْهُمْ } ، يعني: من اليهود { يُسَـٰرِعُونَ فِى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ } ، قيل: الإثم المعاصي والعدوان الظلم، وقيل: الإثم ما كتموا من التوراة، والعدوان ما زادوا فيها، { وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ } ، الرِّشَا، { لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }. { لَوْلاَ } هلاَّ { يَنْهَـٰهُمُ ٱلرَّبَّـٰنِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ } ، يعني: العلماء، قيل: الربانيون علماء النصارى والأحبار علماء اليهود، { عَن قَوْلِهِمُ ٱلإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ }.