الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَهُـۤؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاۤئِمٍ ذٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }

{ و } ، حينئذ، { يَقُولُ الَّذِينَ آمنُواْ } [قرأ أهل الكوفة: " ويقولُ " بالواو والرفع] وقرأ أهل البصرة بالواو ونصب اللام عطفاً على { أَن يَأْتِىَ } ، أي: وعسى أن يقول الذين آمنوا، وقرأ الآخرون بحذف الواو ورفع اللام، وكذلك هو في مصاحف أهل [العالية]، استغناء عن حرف العطف بملابسة هذه الآية بما قبلها، يعني: يقول الذين آمنوا في وقت إظهار الله تعالى نفاق المنافقين، { أَهَـٰۤؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ } ، حلفوا بالله، { جَهْدَ أَيْمَـٰنِهِمْ } ، أي: حلفوا بأغلظ الأيمان، { إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ } ، أي: إنهم مؤمنون، يريد: أن المؤمنين حينئذ يتعجبون من كذبهم وحلفهم بالباطل. قال الله تعالى: { حَبِطَتْ أَعْمَـٰلُهُمْ } ، بطل كل خير عملوه، { فَأَصْبَحُواْ خَـٰسِرِينَ } ، خسروا الدنيا بافتضاحهم، والآخرة بالعذاب وفوات الثواب. قوله عزّ وجلّ: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِى ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } ، قرأ أهل المدينة والشام " يرتدد " بدالين على إظهار التضعيف { عَن دِينِهِ } ، فيرجع إلى الكفر. قال الحسن: علم الله تبارك وتعالى أن قوماً يرجعون عن الإسلام بعد موت نبيّهم صلى الله عليه وسلم فأخبر أنه سيأتي بقوم يحبهم الله ويحبونه. واختلفوا في أولئك القوم من هم؟ قال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه والحسن وقتادة: هم أبو بكر وأصحابه الذين قاتلوا أهل الردة ومانعي الزكاة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قبِض ارتدّ عامة العرب إلا أهل مكة والمدينة والبحرين من عبدالقيس، ومنع بعضهم الزكاة، وهمّ أبو بكر رضي الله عنه بقتالهم فكره ذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقال عمر رضي الله عنه: كيف نقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلاّ الله فمنْ قالها فقد عصمَ مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله عزّ وجلّ؟ " فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني [عناقاً] كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها. قال أنس بن مالك رضي الله عنه: كرهت الصحابة قتال مانعي الزكاة، وقالوا: أهل القبلة، فتقلد أبو بكر سيفه وخرج وحده، فلم يجدوا بدّاً من الخروج على أثره. قال ابن مسعود: كرهنا ذلك في الابتداء ثم حمدناه عليه في الانتهاء. قال أبو بكر بن عياش: سمعت أبا حصين يقول: ما ولد بعد النبيين مولود أفضل من أبي بكر رضي الله عنه، لقد قام مقام نبي من الأنبياء في قتال أهل الردة. وقد كان قد ارتدّ في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث فرق: منهم: [بنو مذحج] ورئيسهم ذو الخمار عبهلة بن كعب العنسي، ويلقب بالأسود، كان كاهناً مشعبذاً فتنبأ باليمن واستولى على بلادها، فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معاذ بن جبل ومن معه من المسلمين، وأمرهم أن يحثوا الناس على التمسّك بدينهم، وعلى النهوض إلى حرب الأسود، فقتله فيروز الديلمي على فراشه، قال ابن عمر رضي الله عنه: فأتى الخبرُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم من السماء الليلة التي قُتل فيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2 3