الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَارَىٰ أَوْلِيَآءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { فَتَرَى ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِٱلْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَآ أَسَرُّواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ }

{ يَـۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَارَىٰ أَوْلِيَآءَ } ، اختلفوا في نزول هذه الآية وإن كان حكمها عاماً لجميع المؤمنين. فقال قوم: نزلت في عبادة بن الصامت وعبدالله بن أبي ابن سلول، وذلك أنهما اختصما، فقال عبادة: إن لي أولياء من اليهود كثير عددهم شديدة شوكتهم، وإني أبرأ إلى الله وإلى رسوله من ولايتهم وولاية اليهود، ولا مولى لي إلاّ الله ورسوله، فقال عبدالله: لكني لا أبرأ من ولاية اليهود لأني أخاف الدوائر ولا بدّ لي منهم، فقال النبيّ: " يا أبا الحباب ما نَفِسْتَ به من ولاية اليهود على عبادة بن الصامت فهو لك دونه " ، قال: إذاً أقبل، فأنزل الله تعالى هذه الآية. قال السدي: لما كانت وقعة أحد اشتدت على طائفة من الناس وتخوفوا أن يدال عليهم الكفار، فقال رجل من المسلمين: أنا ألحق بفلان اليهودي وآخذ منه أماناً إني أخاف أن يدال علينا اليهود، وقال رجل آخر: أما أنا ألحق بفلان النصراني من أهل الشام وآخذ منه أماناً، فأنزل الله تعالى هذه الآية ينهاهما. وقال عكرمة: نزلت في [أبي لبابة] بن عبد المنذر بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة [حين حاصرهم]، فاستشاروه في النزول، وقالوا: ماذا يصنع بنا إذا نزلنا، فجعل أصبعه على حلقه أنه الذبح، أي: يقتلكم فنزلت هذه الآية. { بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } ، في العون والنصرة ويدهم واحدة على المسلمين، { وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ } ، [فيوافقهم ويعينهم]، { فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ }. قوله تعالى: { فَتَرَى ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } ، أي: نفاق يعني عبدالله بن أُبي وأصحابه من المنافقين الذين يُوالون اليهود، { يُسَـٰرِعُونَ فِيهِمْ } ، في معونتهم وموالاتهم، { يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ } ، دولة، يعني: أن يدول الدهر دولةً فنحتاج إلى نصرهم إيّانا، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: معناه نخشى أن لا يتمّ أمر محمد فيدور الأمر علينا، وقيل: نخشى أن يدور الدهر علينا بمكروه من جدب وقحط، ولا يعطونا الميرة والقرض، { فَعَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِىَ بِٱلْفَتْحِ } ، قال قتادة ومقاتل: بالقضاء الفصل من نصر محمد صلى الله عليه وسلم على من خالفه، وقال الكلبي والسدي: فتح مكة، وقال الضحاك: فتح قرى اليهود مثل خيبر وفدك، { أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ } ، قيل: بإتمام أمر محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل: هذا عذاب لهم، وقيل: إجلاء بني النضير، { فَيُصْبِحُواْ } ، يعني: هؤلاء المنافقين، { عَلَىٰ مَآ أَسَرُّواْ فِىۤ أَنفُسِهِمْ } ، من موالاة اليهود ودسّ الأخبار إليهم، { نَـٰدِمِينَ }.