الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَٱحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَمْ يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }

{ فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ } أي: سرقته، { وَأَصْلَحَ } العمل، { فَإِنَّ ٱللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ، هذا فيما بينه وبين الله تعالى فأما القطع فلا يسقط عنه بالتوبة عند الأكثرين، قال مجاهد: قطع السارق توبته فإذا قطع حصلت التوبة، والصحيح أن القطع للجزاء على الجناية، كما قال: " جزاءً بما كسبا " فلا بدّ من التوبة بعد، وتوبته الندم على ما مضى والعزم على تركه في المستقبل، وإذا قطع السارق يجب عليه غرم ما سرق من المال عند أكثر أهل العلم، وقال سفيان الثوري وأصحاب الرأي: لا غرم عليه، وبالاتفاق إن كان المسروق باقياً عنده يسترده وتقطع يده لأن القطع حق الله تعالى والغرم حق العبد، فلا يمنع أحدهما الآخر، كاسترداد العين. { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ والأَرْضِ } ، الخطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم والمراد به الجميع، وقيل: معناه ألم تعلم أيها الإنسان فيكون خطاباً لكل واحد من الناس، { يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ } ، قال السدي والكلبي: يعذب من يشاء: من مات على كفره ويغفر لمن يشاء: [الكبيرة]، من تاب من كفره، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: يعذب من يشاء على الصغيرة ويغفر لمن يشاء على الكبيرة، { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ }. قوله تعالىٰ: { يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِى ٱلْكُفْرِ } ، أي: في موالاة الكفار فإنهم لن يعجزوا الله، { مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ ءَامَنَّا بِأَفْوَٰهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ } ، وهم المنافقون، { وَمِنَ ٱلَّذِينَ هِادُواْ } ، يعني: اليهود، { سَمَّـٰعُونَ } ، أي: قوم سماعون، { لِلْكَذِبِ } ، أي: قابلون للكذب، كقول المصلي: سمع الله لمن حمده، أي: قبل الله، وقيل: معناه: سماعون لأجل الكذب، أي: يسمعون منك ليكذبوا عليك، وذلك أنهم كانوا يسمعون من الرسول ثم يخرجون ويقولون سمعنا منه كذا ولم يسمعوا ذلك منه، { سَمَّـٰعُونَ لِقَوْمٍ ءَاخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ } ، أي: هم جواسيس، يعني: بني قريظة لقوم آخرين وهم أهل خيبر. وذلك أن رجلاً وامرأةً من أشراف أهل خيبر زنيا وكانا محصنين، وكان حدّهما الرجم في التوراة، فكرهت اليهود رجمهما لشرفهما، فقالوا: إن هذا الرجل الذي بيثرب ليس في كتابه الرجم ولكنه الضرب، فأرسِلوا إلى إخوانكم بني قريظة فإنهم جيرانه وصلح له فليسألوه عن ذلك. فبعثوا رهطاً منهم مستخفين وقالوا لهم: سلوا محمداً عن الزانيين إذا أحصنا ما حدّهما؟ فإن أمركم بالجلد فاقبلوا منه، وإن أمركم بالرجم فاحذروه ولا تقبلوا منه، وأرسلوا معهم الزانيين فقدم الرهط حتى نزلوا على بني قريظة والنضير فقالوا لهم: إنكم جيران هذا الرجل ومعه في بلده وقد حدث، فينا حدث فلان وفلانة قد فَجَرَا وقد أحصنا، فنحب أن تسألوا لنا محمداً عن قضائه فيه، فقالت لهم قريظة والنضير: إذاً والله يأمركم بما تكرهون.

السابقالتالي
2 3